قال الله تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} [سورة (33) فصلت].
ذكر ابن كثير رحمه الله: عن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } فقال هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله؛ أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال إنني من المسلمين، هذا خليفة الله.
فجعلهم أحسن الخلق، وأرفع الناس، وأعظم البشر، فأثنى عليهم بنفسه وامتدح فعلهم بمحكم آياته، فهم في أرفع المنازل بمنزلتهم من ربهم، وبأشرف الأماكن بتفضيل الله لهم، فأدرك أناس فضل تلك المنـزلة فندب نفسه إليها، وعلم فضل الدعوة فحرص عليها، وارتفع له لواء العز فأقبل إليه، وأجهد نفسه فيه، وأنفق وقته وجهده وماله لأجله، ومن خطب الحسناء لم يغله المهر.
فالدعاة إلى الله العاملون بالدعوة على أفضل الثغور قائمون بالحق، ناصرون له، مستقيمون عليه، ومعركتهم أكبر المعارك أثراً، وأعظمها خطراً، وأشدها تأثيراً، وهي معركة القلوب والعقول، حتى تخضع القلوب لربها وتنيب الأفئدة إلى مولاها، وتتزكى الأنفس وتتطهر لخالقها، فتعبده وحده بلا شريك كما خلقها وحده بلا شريك، وتكون له كما يحب، ليكون لها كما تحب.
فإذا رضي الله عز وجل عن العبد نجا وسعد، وإذا غضب على العبد فقد خاب العبد وخسر، فأي أرض تقله وأي سماء تظله، فتعريف الخلق بربهم حتى يعبدوه أفضل الأعمال على الإطلاق لأن بها قوام الدين وبقاؤه، واستقامة الحياة على شريعة الله ودوامها، فالدعوة إلى الله على هذا أساس كل خير يناله العبد إما ملقيا أو متلقيا، فالناس في الخير الدعوي شركاء واعظ يعظ ومتذكر يخشى ويدكر وغيرهما شقي بنص الكتاب، قال تعالى: {سيذكر من يخشى (10) ويتجنبها الأشقى (11) } سورة الليل. وهذه الآية من الخطر بالمكان العظيم وما أكثر غفلة الخلق عنها، وقد جعلت الناس صنفين تقي يسمع الذكرى وينتفع بها، وشقي غلبت عليه شقوته، يعرض عن الذكرى، بل يتجنبها، فلا يدركه الخير لإعراضه عنه، ولا ينتفع بالهداية لنفوره عنها.
وإذا كان الدعاة على أفضل الثغور وهي جبهة القلوب والمواقف، فهم كذلك على حماية الدين من الضياع فلولا تعليمهم العلم وتربيتهم للناس به، وتزكية أنفسهم بالتخلية عن الرذائل والتحلية بالفضائل، ومتابعة لهم لاندثرت معالم الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرث هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين".
وهم في ذلك على وعي تام بما يصيبهم في ذلك، وما يعترض طريقهم من المشاق، فمن أحب الدعة والراحة لم ينل منـزلة الدعوة؛ لأنها تحتاج صبراً على الحق، تواصياً به وصبراً عليه، وصبراً على الباطل، اجتناباً له وتحذيراً منه، وصبر النفس مع الذين اتقوا والذين هم محسنون حتى لا تزيغ العين إلى زهرة الدينا ولا يتطلع البصر إلى أهلها قال الله تعالى: {واصبر نفسك}، وصبر طاعة لأمر أمير الدعوة حين يأمر، والتزام بتوجيهه حين يوجه، وتنفيذا لقراراته حين يقرر، قال موسى للخضر: {ولا أعصي لك أمرا}.
د. محمد عبدالله الحاوري
فضل الدعوة إلى الله تعالى 1896