أرى البشائر تترى في نواحيها.. من بعد يأسٍ طغى من فعل طاغيها
7 ـ اتضاح معالم السير للخلاص
من البشائر التي نراها ماثلة أمامنا تكاد تعم الأمة كلها: اتضاح المعالم الإرشادية، المادية والمعنوية للسير في الطريق الصحيح للوصول إلى الخلاص من الظلم والاستبداد، وتسلط الفرد، أو الجماعة القليلة على المجموع الكلي في كل الشعوب العربية، وإن كان بعض المتسلطين أخف وطأة على شعوبهم من غيرهم، لكنهم أشد وطأة على القادمين إليهم باحثين عن عمل يؤمن لهم معاشاً كريماً أو نصف كريم؟! من البشائر، أو من ثمرات الثورات، اتضاح وظهور معالم السير على طريق الخلاص، منها المعنوي الذي نما بفضل الله ثم بفضل الدعاة الوعاة والمفكريين والمصلحين الأقوياء الصادقين الذين ضحوا بوقتهم وسخروا مكانتهم، وضحوا براحتهم ومصالحهم، واختاروا السجون وبعضهم المشانق، ولم يرضخوا للطغاة.. هؤلاء كلهم وأمثالهم كانوا منارات وعلامات يهتدي بها، فاستضاء بنورهم وما قدموه الأجيال هنا وهناك حتى وصل الشباب خاصة، والأكثرية من غيرهم إلى التشبع بالفهم والوعي والقناعة بأهمية الوقوف في وجه الظالم المستبد، المستهتر بأبناء شعبه الذي لا يعترف بحقوقهم ولا بوجوب واجباته نحوهم، مقابل ما يطلبه من حقوق منهم ولما اتضحت معالم طريق العمل للخلاص بدأ السير الصحيح، فكانت النتائج ـ كما رأينا وسمعنا ـ مبشرة دون شك.
هذه المعالم من وجهة نظرنا معنوية ومادية، وهي كما يلي ـ أيضاً من وجهة نظرنا:ـ
أـ معالم معنوية: ونعني بها الدلالات النورانية المرشدة إلى الاتجاه في الطريق الصحيح، منها: صحوة الإيمان بالله الذي يبده مقاليد كل شيء، الحي القيوم الجبار المنتقم للمظلومين، ناصر من لجأ إليه، مغيث من استغاثه.. صحوة إيمان بأن العبودية إنما تكون لله وحده ولا يجوز صرف شيء منها لمخلوق مهما كان، إيمان بالحقوق التي منحها الله لكل إنسان: حق الحياة الكريمة ـ حق الحرية ـ حق المساواة ـ حق اختيار نوع التعليم ونوع العمل، حق اختيار الحاكم.. وصل الناس إلى هذا الإيمان فخرجوا مطالبين لا محاربين.
ـ ومن المعالم المعنوية التي انتصبت في الوعي والوجدان صحوة الضمير الذي استيقظ على مظالم طالما عاشها، أورآها في غيره أو سمع عنها، أو سمع من حدثه عنها أو بعض منها، وما أكثرها، وأيقن أنه لا يصبر على مثلها ويتحملها غير العربي وبعض المسلمين، وبعض غير المسلمين الذين يرزحون تحت نير الظلم والظلمات في بلدان مشابهة.
ـ صحوة علم ومعرفة بحقائق ما يجري: فقد وصل الناس إلى العلم القين بأن حكامهم يقولون ما لا يفعلون، وأنهم خانوا أمانة المسؤولية، وتخلوا عن واجباتهم الأساسية، وأنهم أقرب إلى نصر العدو من نصر الشعوب.. لما علموا ذلك يقيناً، وعرفوا أن تلك هي الحقيقة خرجوا، مطالبين بحقوقهم لا محاربين.
ـ صحوة الإخوة الشاملة: أخوة النسب ـ الجوار ـ الإسلام ـ الإنسانية. صحا الناس على انتهاكات وتمزقات لكل أواصر الإخوة، وقد سُلط بعضُهم على بعض، فاعتبروا وراجعوا أنفسهم واقتنعوا بأنه لا يجوز أن تكون هذه القيم موضع هدم والناس يتفرجون، يشتغل بعضهم ببعض، فعادوا وخرجوا باحثين عن الخلاص بطرقٍ سلمية.
ب ـ المعالم المادية للخلاص: ونعني بها تلك المعالم الإرشادية التي تُرى وتلمس وتمارس، أو يمكن ممارستها للوصول إلى الخلاص سلمياً.
منها: سلوك التغيير السلمي بالنزول إلى الشارع، والساحات، والميادين: تظاهراً ـ اعتصاماً ـ عصياناً مدنياً حتى يسقط الطواغيت.
أتضح هذا المعلم جلياً، وما كان وارداً عند المقهورين قروناً طويلة، مع أن ذلك يمارس في كثير من بلدان العالم منذ قرنين تقريباً، أما في الإسلام فلقد بدأ في عهد الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكنه اختفى عندما فوض الناس أمورهم للحاكم الفرد يولي عليهم ابنه أو يوصي بها لمن يشاء ومن هذه المعالم: التخلي عن المصالح الشخصية والنزول متجردين من كل ما يبعدهم عن المصلحة العامة ورابطوا مستعدين لتلقي الأذى بأنواعه، والتضحية..
ومنها تقديم الأغلى مما يملكون للهدف الأسمى: فقد نزلوا الميادين غير آمنين على أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم،: لكنهم نذروا كل ذلك لرفع راية الحق وتنكيس راية الباطل، قالوا: نحن هنا وليفعل الطاغية ما يشاء، فهزم تحدى السلم تحدى القوة والجبروت والاعتماد على حماة الطغاة.
فهل يعتبر الآخرون؟ نرجو ونأمل ذلك.
كان اتضاح معالم السير للخلاص من أهم البشائر التي لها ما بعدها. وإلى بشرى أخرى.