الذين خرجوا إلى الساحات لفعل التغيير وتحقيق متطلبات وطن كان لابد منها، لم يخرجوا بطراً ورآء الناس، ولم تأتِ مواقفهم عفو خاطر وتعبير عن لحظة نزق ،كما لم تكن تقليداً لربيع آخر جرت أحداثه في مكان ما، ولكنه خروج المضطر من مخمصة، ومن عوز بعد أن كادت الآمال تتلاشى ،وهانت البلاد والعباد ،وصار كل شيء قابلاً للضم والإلحاق من الجنوب وحتى شمال الشمال ،وبقي المواطن في حالة ذهول مما يجري وكيف يجري، حتى ظهرت الساحات الشبابية في عموم الوطن تطالب بدولة مدنية حديثة وحقوق وحريات ومواطنة متساوية وشراكة في البناء وعدالة، لم تكن هذه المطالب مجرد عارض مطلبي ، قدر ما كانت ضرورة لم نجد أحداً يرفضها أو يتجاهلها بما في ذلك النظام السابق الذي لم يكن أمامه بد سوى الاعتراف بالمطالب الشبابية أكان ذلك تكتيكاً أو مراوغة أو قناعة لا يهم، المهم ثمة حقيقة ظهرت ونمت وصارت مطلباً للجماهير وأوصلت الأمور إلى فعل التغيير لتحدث متواليات مهمة حققت بعض طموحات ،ليبقى البعض الآخر معرقلاً بفعل توافق أو تراضٍِ أو قسمة بين النظام السابق وأحزاب المشترك ،ويبدو أن تأجيل المطالب المتبقية هو رهن الواقع وما يسفر عنه الحوار الذي ينبغي أن تشارك فيه كل القوى الوطنية دونما استثناء، ولكن مع هذا التأجيل تتلاحق متغيرات ربما تكون أسرع من الحوار الذي ما يزال في علم الغيب أو إنه مؤجل حتى توحيد المؤسسة العسكرية ،وبين هذا المؤجل الضروري والذي سيحقق نقلة نوعية لوطن نريده وذلك الذي يعتمل اليوم عبر ثقافة انتقائية تمس الكيان الوطني في الصميم وتعمل على زرع بذور فتنة وتنافر بين القوى السياسية ..نقول:.بين الأمرين يبقى القادم من وراء الأكمة هو المهدد للحوار وغير الحوار بالوقوع في تقاطع واختلاف يصل حد التنافر وتلك مسألة تبدو على قدر كبير من الأهمية التي تشتغل عليها أطراف سياسية داخلية لها ارتباطاتها بالخارج وبالنظام السابق.
في هذا السياق نجد أننا أمام تحدٍ حقيقي يقدم نفسه اليوم عبر الثقافة الانتقائية التي تشتغل على خلق مساحة غلط وتشكيك في العلاقات بين أحزاب المشترك وهجوم أكثر مباغتة على التجمع اليمني للإصلاح ومحاولة جره إلى لغة عقيمة وحماقات قد يصل إليها بمواقف تذهب به إلى أن يكون ضيق الرؤى وضد الدولة المدنية الحديثة والحقوق والحريات وما يتعلق بالمرأة في موقف ما يريده الآخر متحققاً. .وهنا نفهم معنى أن نجد المثقف الانتقائي يطرح خطاباً باسم العلمانية أقرب إلى أن يكون استفزازياً بكل ما تعنيه الكلمة ونجد الهم كله منصباً على لغة أتهامية إدانية عاجزة عن التحاور لتلقي بالمواقف التعطيلية جزافاً، من أن الإصلاح وهابي أو أنه إرهابي ...إلخ من الثقافة التي تغيب وطناً وقضاياه في البناء والتنمية والتقدم ،لتقف أمام كيفية خلق حالة انفعالية مع الحزب (س أوص).
وهنا نجد قوى مثقفة أيضاً تعمل على التشكيك في علاقة أحزاب المشترك ،ونجد من ذات المشترك المثقف العلماني ادعاءًَ يرابط من أجل إدانة طرف في المعادلة، وربما ينسى كل مساوئ النظام السابق وكل تحديات المرحلة ويقف فقط عند عتبة التجمع اليمني للإصلاح، يعمل على تشويه مواقفه ورؤيته الوطنية التي تقدمت كثيراً في بعض المواقف عن القوى العلمانية في سياق الخطاب الإصلاحي المتوائم مع نفسه ومع أحزاب المشترك، وبدلاً من أن يقف كمفترض المثقف المراهن على تفكيك البنية السياسية للمشترك ويتناغم مع متغير مهم في حزب الإصلاح ويعمل على تناميه ويشجع على تفتحه مع الآخر، نجده في النقيض تماماً يتمترس في جاهزية الإدانة والتهويل لبعض القضايا والخروج عن حق الرأي وحرية التعبير، ليكون هو وحده من يحق له أن يعبر كما يشاء لدرجة العدمية والفوضى، فيما الآخر مطالب بالإصغاء مهما كان ثقله أو حضوره في الساحات، ويحدث في كثير من الأحيان أن نجد خطاباً يقدمه المثقف الانتقائي في مستوى واحد متكرر حد النمطية، بما يجعل المتابع لهذه الثقافة أمام تساؤلات كبيرة: لما واحدية الإدانة والتفكير والخطاب لدى المثقف الانتقائي الذي يلغي التنوع ؟ وما هي دوافعه ؟وإلى أين تؤدي؟وما الذي تحدثه مفارقات لو حدثت تصل إلى القطيعة بين أحزاب المشترك ؟ولما العزف على ترنيمة واحدة فيما قضايا الوطن تفرض خطاباً راقياً وتفكيراً باتجاه المستقبل ؟لماذا الواحدية هي الأبرز في خطاب المثقف الانتقائي المدعي بالعلمانية؟ وهل العلمانية لغة اتهام وتمترس وضيق بالآخر؟ أم فسحة وتنوع ومبادرة واحترام حقوق وحريات وحوار راقٍ وقبول بالآخر ما لم يلجأ إلى العنف أو مصادرة الحقوق؟.. أسئلة نطرحها لقوى انتقائية تتضافر جهودها لتصب في بوتقة رفض الآخر ولغة إدانية إتهامية تعيش إنغلاقاً نشك أنه من صلب الثقافة العلمانية أو أنه نتاجها.. لإدراكنا إن العلماني تحرري بالطبع ويقيم علاقة احترام حتى مع (البابوية) في الكنيسة (والرهبنة) في الدير، ما بالنا بحزب التجمع اليمني للإصلاح مثلاً وهو يقدم خطاباً عاقلاً حصيفاً يحترم التنوع ويؤمن بالإنسان وحقه في التعبير في حين يلغي هذا الحق المثقف الانتقائي المترصد لهفوات يقيم معها مخطط الفرقة والانقسام؟.. مثل هذا المثقف نقف أمامه بإرتيابية، وننكر قدرته في التعايش مع الآخر، ونراه صاحب (سيناريو) مسبق ليس إلا، ونرثى لحاله وقد تحول بلغته إلى كائن مدجن وبقناعات مسبقة تضره كإنسان تطلعي، وكذات عاقلة قبل أن تكون محتواه من قبل من يرسمون مواقف ويريدون الوطن خالياً من التفاهمات والالتقاء ويسعون إلى إنتاج ثقافة أزمات وتأزيم وانغلاق لتكون العلمانية في سلوكياتهم منطلق تكفير بطريقة أخرى وأصولية جديدة تنتج المزيد من الاحتقانات والأزمات ..
هنا فقط نؤكد أن ثقافة بهذا المستوى من التنميط والجاهزية ليست تكفيراً فقط ولكنها إعدام لوطن وحياة وحب واحترام واستعداء صارخ للجمال وقيم الحق والخير، إنها ثقافة موت وقهرية تبقى مرفوضة ما لم تنبنِ على خطاب عقلاني تحرري يضع كل قضايا الوطن على بساط التناول والنقد والموضوعية بدلاً من الانتقائية ومخلفاتها السيئة وما لم تكن العلمانية حواراً يسعى إلى نشدان الحقيقة واحترام الآخر الديني أو السياسي أو حتى غير العقدي.
محمد اللوزي
الإصلاحي.. والعلماني الاستفزازي!! 1834