;
د.سعاد سالم السبع
د.سعاد سالم السبع

التقاعد في الجامعات اليمنية..مشكلة!! 1979

2012-05-19 15:01:22


 حينما تدخل أية جامعة من الجامعات اليمنية هذه الأيام تجد الكل يتذمر من شيء اسمه الفساد، والمشكلة الكبرى أن الناس(من القمة إلى القاعدة ) مجمعون على وجود الفساد، والجميع يطالبون باجتثاث الفساد، والفساد يخرج لسانه للجميع غير آبه بصراخ الناس، فهل يعني ذلك أن النيات الصادقة للقضاء على الفساد غير موجودة؟ وإذا كان الجميع يتألم من الفساد ويعاديه، فلماذا نجد الأفعال بعيدة جدا عن الأقوال؟!
 الخطير في الأمر أن الجميع يعلن الحرب على الفساد، ولكن لا نتائج ملموسة في الواقع تدل على أن الفساد سيرحل، أو أنه حتى أصبح مهددا بالرحيل.
 لست متشائمة إذا شعرت بأن الوضع يسير من سيء لأسوأ، لأنني ألاحظ أن الفساد يسري في جسد الجامعات اليمنية كالمرض الخبيث لا يتوقف، وكبار الجامعات غير مقتنعين بأن الوقت مناسب للعلاج، وأهل الجامعات المخلصون واقعون في مأزق الحيرة بين فكي العجز والخوف، العجز عن اجتثاث المرض، والخوف من أنصار الفساد إن حاولوا إبراز مظاهره وأسبابه.
  المخجل والمحزن أن من لديهم النية الصادقة في تصحيح وضع الجامعات محاربون على كل المستويات، ومن يجيدون الفهلوة والتملق يتصدرون المواقف حتى في محاربة الفساد!!.
 هناك سؤال يحتاج إلى إجابة صادقة: كيف لمن ملفه مثقل بالمخالفات القانونية أن يكون صادقا في كشف مظاهر الفساد أو أن تكون لديه النية لتصحيح الوضع؟!
 تحتاج الجامعات اليمنية لثورة حقيقية لاجتثاث بؤر الفساد فيها وإصلاح أوضاعها، وكما أشرت في مقالات سابقة لن يتم التصحيح إلا بالشفافية وبفتح ملفات المنتسبين للجامعات، وإنصاف المظلومين وتصحيح وضع المخالفين.. ستظل المشكلات تتوالد في الجامعات اليمنية باستمرار لأن كثيراً من الأمور تمت في الماضي من تحت الطاولة، ولن نحد من المشكلات إلا بوضع هذه الأمور على الطاولة ودراستها وإيجاد المعالجات الصحيحة لها.
 مضاعفات أمراض الفساد في الجامعات اليمنية كثيرة؛ ربما أقلها تناولاً قضية التقاعد؛ والتقاعد مرحلة طبيعية يمر بها الموظف في معظم بلاد العالم، لكنه يمر فيها بسلاسة لأن الجميع يحتكم للقانون، ويحرص على تطبيقه على نفسه أولاً، فلا مشكلة في التقاعد في كثير من الدول، لأن الموظف في مرحلة التقاعد يشعر أنه بذل جهدا بما فيه الكفاية لينال التكريم من مؤسسته براتب مدى الحياة، راتب يكفيه ذل الحاجة، ويمنحه الفرصة للاستمتاع بما تبقى من حياته، بعيداً عن قيود العمل الرسمي الروتيني.
  أما في اليمن فقضية التقاعد تعد مشكلة عويصة عند بعض المنتسبين للجامعات ممن يعانون من رهاب التقاعد لدرجة أنهم يرفضون الوصول إلى سن التقاعد حتى وإن (غرغرهم) عزرائيل كل يوم، ومثل هؤلاء يعتبرون وظيفتهم بقرتهم الحلوب، التي لابد أن يحلبونها يومياً وإلا جف الضرع، ونقص الحليب وأصابتهم المجاعة..
 رفض فكرة التقاعد ربما هو أحد الأسباب التي تجعل كشف المرتبات مليئا بالأسماء، والذين يتواجدون في ميدان العمل اليومي قليلون، وربما رفض الفكرة من الأسباب التي تجعل الجامعة مزدحمة بمنتسبيها (من الأكاديميين والإداريين) فقط في أيام محدودة وعند تسليم المرتبات.
ذلك الوضع ينطبق على كل الجامعات الحكومية،حتى أن تقارير متابعة الدوام اليومي في الجامعة الأم القدوة – جامعة صنعاء- تشير إلى أن من هم في ميدان العمل الفعلي لا تزيد نسبتهم عن 30% من إجمالي من يفترض دوامهم في المكاتب والقاعات.. فيا ترى أين يداوم الـ70% من منتسبي جامعة صنعاء؟! لماذا السكوت عنهم؟!! وهل مثل ذلك يحدث في الجامعات الحكومية الأخرى؟!
  لا شك أن هذا الغياب الواقعي تغطيه أوراق دوام وهمية من باب التغطية على الفساد وتشريع المرتبات، ولا شك أن هذا الغياب له أسباب كثيرة لعل منها: رفض فكرة التقاعد؛ فالذين يرفضون فكرة التقاعد ممن وصلوا إلى سن الشيخوخة لا يقوون على العمل، ولكنهم لا يزالون يتواجدون بجداول وهمية وفترات دوام وهمي.. ولذلك لابد من الوقوف أما قضية التقاعد في الجامعات اليمنية لأنه أصبح يمثل أزمة حقيقية عند بعض الموظفين والأكاديميين المتشبثين بكراسيهم الوظيفية إلى آخر العمر، فهم لا يتخيلون أحدا غيرهم في أماكنهم مهما كانت الأسباب.
  ومثل هؤلاء لا يتشبثون بالبقاء في الوظيفة الرسمية من أجل العمل؛ فحال الجامعات دليل كاف على أن معظم المنتسبين إليها من الأكاديميين والموظفين يعملون لغيرها، ولا تربطهم بالجامعات الحكومية سوى الرواتب ومميزات المناصب فيها، وهم لا يصرون على البقاء خوفا من الفراغ بعد التقاعد، فمن لديه علم أو مهارة لا يمكن أن يعيش الفراغ.
 الممارسات اليومية تشير إلى أن التقاعد عند مثل هؤلاء مرفوض؛ لأنه بالنسبة لهم تخلٍّ عن مصدر رزق غير مجهد وغير مرئي، وهو فقدان لمنصب يسوقون من خلاله أعمالهم الخاصة في الجهات الأخرى، وهو تنازل عن مكانة تمنحهم الوجاهة وتمكنهم من الاستحواذ على حقوق غيرهم في المؤسسة.
  ومن أجل البقاء في الكراسي لا يعترف مثل هؤلاء بأعمارهم، ويعدون الوصول إلى سن التقاعد كابوسا ينبغي ألا يحدث، فيلجئون إلى التأجيل مرة وإلى المغالطات في حساب الأعمار أو حساب سنوات العمل مرات كثيرة لأنهم فقط لا يريدون أن يتركوا مجالا لغيرهم..
 أخذتهم العزة بالاستيلاء على الوظيفة حتى أصبحوا غير قادرين على تركها، ولا يدركون أن العمر يظهر في الشكل، ومن خلال الأداء مهما أخفاه صاحبه ..
لا ندري لماذا يصر البعض أن يبقى في الوظيفة حتى وإن كان بقاؤه ضد صحته وصحة الجامعة؟! ولماذا هذا العناء مع أنهم يعلمون أن المتقاعد سيأخذ راتبه كاملاً غير منقوص؟! ويعرفون أن الكفؤ لا يمكن الاستغناء عنه حتى وإن كان متقاعداً..
  السيطرة على الوظيفة العامة مع الانشغال بأعمال أخرى، أو بعد الوصول إلى سن التقاعد تعني أن لا مكان للشباب المتميزين في الجامعات اليمنية، وتعني أن الجامعات ستصيبها الشيخوخة مبكراً، ولا مجال للتجديد في ظل الاستحواذ..
•   أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك بكلية التربية - جامعة صنعاء .
suadyemen@gmail.com

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد