قانون التدوير الوظيفي رقم (31) لسنة 2009م هو أحد القوانين المصادق عليها من الرئيس السابق (علي عبدالله صالح) ومنذ تاريخ صدوره وحتى اليوم لم تصدر لائحته التنفيذية، كما أنه لم يطبق في الواقع واستمر وضعه بعد نجاح الثورة الشبابية الشعبية بنفس الوضع الذي كان عليه في عهد النظام السابق. لكن اللَّوم على حكومة الوفاق الوطني في عدم تنفيذه حالياً، لان الشعب اليمني عرف تماماً أن الرئيس السابق كان لا يُهمه تنفيذ القوانين التي تتعارض مع مصالحه أو مصالح الفاسدين من نظامه، فكان يجمدها بأدراجها وذلك هو سبب من ألأسباب التي أطاحت به وبنظامه.
وقد ظل هذا القانون بدون لائحة تنفيذية حتى يومنا هذا، غير أن رئيس الوزراء (محمد سالم باسندوه) وجه الأسبوع الماضي بسرعة عمل اللائحة التنفيذية للقانون خلال أسبوعين وهذا التوجيه أزعج بعض المسئولين والموظفين الذين سيطبق بشأنهم، فدارت عليهم الدوائر، لأنهم كانوا قد أسسوا لأنفسهم ممالك مصغرة عبر عشرات السنين على مستوى إداراتهم التي يعملون فيها، فهذا المسؤول أمضى عشرين عاماً وذاك زيادة عليها وآخر أقل منها وقد جعل ابنه نائباً له وبقية أقاربه موظفين عنده وأقصى كل من لم يكن قريباً أو موالٍ له أو من حزب آخر حتى أصبحت الإدارات الحكومية.
والمؤسسات أشبه بالشركات الاستثمارية الخاصة وأكبر دليل على ذلك تمرد أقارب الرئيس السابق على قرارات رئيس الجمهورية المنتخب (عبده ربه منصور هادي)، الأمر الذي أدى إلى قيام البيت الأبيض برئاسة (اوباما) بإصدار أمر تنفيذي أولي في 16/5/2012م تضمن إعلان حالة طوارئ وطنية لدى البيت الأبيض كما تضمن تجميد أصول الأشخاص الذين يهددون السلام والأمن والاستقرار في اليمن والرافضون لتنفيذ أوامر الرئيس (هادي).
والملاحظ أن بعض المسئولين هذه الأيام ينهبون الإدارات الحكومية ويبيعون المخططات العامة وأراضي الدولة خوفاً من تطبيق قانون التدوير الوظيفي عليهم ونقلهم من أعمالهم إلى أعمال أخرى وأصبح ينطبق عليهم المثل القائل ( لقدك رائح كثر بالفضائح ) وهنا يكون لزاماً على حكومة الوفاق إيقاف أعمال اللجان الفنية المعنية بتعديل المخططات العامة قُبَيل التدوير الوظيفي كما أن عليها تنبيه المسئولين بأنهم سيحالون إلى القضاء بشأن أي عبث بالمال العام.. ولو تمعن الجميع بماهية القانون المراد تطبيقه لعرفوا أن فيه الخير والسعادة والحركة والنماء والصلاح للمسئول والموظف والمواطن والوطن. وذلك ما يهدف إليه القانون في المادة (3) منه حيث نصت: يهدف هذا القانون إلى تدوير الموظفين في وحدات الخدمة العامة لتحقيق ما يلي :-
1. تطوير الإدارة وتعزيز قدرات القيادات الإدارية للموظفين بوحدات الخدمة العامة وتعزيز الاعتماد على مبدأ التنافس تشجيعا للكفاءات الإدارية الناجحة وتعزيز عملية الإصلاح الإداري ومساعدة الموظف ووحدة الخدمة العامة للخروج من دائرة الركود ومقاومة التغيير الناجم عن الاعتقاد بان الوظيفة ملك للموظف وإحداث تدويل وظيفي من خلالِ تغيير مواقع الموظفين ووظائفهم استجابة لمتطلبات العمل في ضوء نتائج تقييم الأداء و تمكين وحدات الخدمة العامة من القيام في عملية تأهيل وتدريب مستمر للموظفين وإكساب الموظفين معارف ومهارات لمواقع وظيفية جديدة تحفيز الموظفين وإطلاق قدراتهم الإبداعية وتطبيق المهارات والخبرات التي اكتسبوها من وظيفة إلى وظيفة أخرى واستكمال منظومة القوانين المعززة للشفافية ومكافحة الفساد وتهيئة وحدات الخدمة العامة للتكيف مع ما يستجد من متغيرات في مجالات العمل ومساعدتها على التجدد الذاتي وتجديد وتطوير الثقافة التنظيمية في وحدات الخدمة العامة لترسيخ مبدأ احترام الوظيفة العامة وتجسيد مبدأ العدالة والإدارة النزيهة كمطلب حتمي لتعزيز جهود التنمية المستدامة.
وإذا كانت هذه هي الأهداف العامة للقانون فماذا يضير الموظفين من فهمها والعمل بموجبها والمبادرة إلى تنفيذها بسرعة الانتقال من الوظيفة السابقة إلى الوظيفة الجديدة، فالعالم اليوم هو عالم الحداثة والتغيير لا عالم الجمود والخمول والتخلف لاسيما وان التدوير الوظيفي يرقى بالموظف ويطور مواهبه ويرفع مستواه ويبعده عن الجمود والتقوقع، ناهيك أن المادة (9) من القانون قد حددت المدة الزمنية للتدوير وجعلت ذلك على ثلاث مجموعات( الأولى ) أربع سنوات وهم شاغلو جميع الوظائف المعينون بقرارات جمهورية في الوزارات والوحدات الإدارية وشاغلو جميع الوظائف المعينون بقرارات جمهورية في الأجهزة المركزية والأمانات العامة والمجالس واللجان والهيئات والمصالح والمؤسسات والشركات والمصانع والبنوك والصناديق والمشروعات والجامعات والكليات والمعاهد والمراكز وغيرها من الوحدات ذات التوازنات المستقلة أو الملحقة والموظفون المعينون في وظائف خارج النطاق الجغرافي للجمهورية ( أعضاء السلك الدبلوماسي ) والمجموعة (الثانية) ثلاث سنوات وهم شاغلو جميع الوظائف المعينون بقرارات من رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشورى أو رئيس مجلس القضاء الأعلى من شاغلي وظائف الإدارات العليا وشاغلو الوظائف الأخرى في مختلف المستويات الوظيفية ابتداء من مدير إدارة وما دون. والموظفون العاملون في الإدارة التعليمية والإدارة الصحية والأمنية وغيرها من الوظائف الإدارية التي تحددها اللائحة.. المجموعة (الثالثة) سنتان وهم الموظفون العاملون في الوظائف المالية (تحصيلاً وإنفاقاً)، وبتطبيق القانون ستتحقق الأهداف المرسومة فيه، فيستفيد الموظف بدرجة أولى، فيتخلص من الركود والملل كما أنه بتنقله من منطقة إلى أخرى سيجد الراحة والتعرف على أشخاص آخرين ووجوه جديدة ومناطق أخرى من الوطن ربما تكون في تضاريسها الطبيعية أجمل من المناطق التي كان يعمل بها سابقاً وسيجد في غير الأهل أهلاً كما أنه سيجد المتعة واللذة في خدمة الوطن، بالإضافة إلى اكتساب المهارات والخبرات الجديدة قال الشاعر :
تفريج همٍ واكتساب معيشة
وعلم وآداب وصحبة ماجد
وفوق هذا وذاك التخلص من الآفة السيئة وهي الاعتقاد بأن الوظيفة ملك الموظف وذلك ما جرى عليه الحال في عهد الرئيس السابق، حيث اعتبر الرئاسة مملكة له ولأقاربه وهكذا بقية المسؤولين التابعين له، فابن الوزير يكون وزيراً وابن عضو مجلس النواب يحل محل والده وكذا ابن المحافظ وحتى ابن مدير الإدارة وعدل القرية، وذلك ما أوصل اليمن إلى ما هي عليه من التخلف والانحطاط، الأمر الذي جعل الشعب اليمني ينتفض بثورة عارمة ضد الفساد والفاسدين أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق والفاسدين من نظامه وفي كل تغيير خير، لاسيما أن الحركة والتغيير دليل على الصحة والحياة كما أن الجمود والركود دلالة على الفساد والمرض والموت قال الشاعر:
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ
والأُسد لولا فراق الأرض ما افترست
والسهم لولا فراق القوس لم يصبِ
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة
لملّها الناس من عربٍ ومن عجمِ
أحمد محمد نعمان
التَّدْوِيْرُ الوَظِيْفِي.. يَا حُكُومَةَ الوِفَاق!! 2006