تتصرف الدول العظمى دائماً على نحو ديكتاتوري تسلطي مع الدول الفقيرة (دول العالم الثالث) رغم إيهامنا أنهم رعاة الحرية وحقوق الإنسان والمنتصرون لحرية الشعوب المقهورة, هذه التصرفات الرعناء وهذا التعالي تفسره المصلحة العامة لهذه الدول بغض النظر عن الأضرار البالغة التي تسببه للدول الفقيرة.
في باكستان مثلا! لا يمر أسبوع على الأقل إلا وتحلق الطائرات الأمريكية (بدون طيار) مخترقةً الأجواء الوطنية لضرب أهداف يعتقد أنها من القاعدة أو حتى حركة طالبان, الغريم التقليدي, سواء بعلم أو بدون علم الحكومة الباكستانية التي تطلق تحذيرات بين الفينة والأخرى كون ذلك يعد انتهاكاً لسيادتها الوطنية.
إن تبني خيار (التبعية) مع هذه الدول من شأنه أن يجعل الخيار مفتوحاً أمامها لانتهاك السيادة طبقاً لأجنداتها ومصالحها الضيقة من دون أدنى خجل.
بالعودة إلى الحالة الباكستانية, فقد تم الاستعانة من قبل المعارضة بخدمات الولايات المتحدة للإطاحة بحكم الرئيس (برويز مشرف) والذي بدا كرئيس عربي متشبث بالحكم، مستعيناً في ذلك بالقبضة العسكرية الغير وطنية!
كان حري بـ(نواز شريف) و(زرداري) وعائلة (بوتو) أن يكتفوا بالدعم اللوجستي من قبل الأمريكان وكذلك الدعم الكافي في مجلس الأمن الدولي بدلاً من فتح الباب على مصراعيه أمام كيان لا يعترف بالأعراف الدولية وسيادة الدول طالما هذه الأخيرة (ليست قد المقام).
في وطننا الحبيب, هناك تخوف من تكرار سيناريو باكستان مع وجود فارق أننا بالإمكان تحاشي هذا السيناريو، كون التدخل سياسي بامتياز أملته التغيرات القائمة في البلاد التي أتت على غرار ثورة شعبية أطاحت بحليف تاريخي للأمريكان فتح الأجواء اليمنية لنيل رضاها.
الفوضى والتمرد الحاصل في الجيش ومعظم أجهزة الدولة بسبب الحكم المركزي الذي عانت منه البلد طوال الثلاثة عقود الماضية وغياب شبه تام لمؤسسات الدولة, الأمر الذي أضعف الحكومة التوافقية الشائكة أصلا بسبب التوافقية العقيمة التي أفرزتها المبادرة الخليجية, أضف إلى ذلك التحركات المشبوهة والتمرد الذي تقوده عائلة الرئيس السابق لزرع الألغام أمام الرئيس الجديد والحكومة.
كل هذه المعطيات والتراكمات جعلت قيادة الدولة الجديدة هشة وعرضة للابتزاز الأمريكي تحت يافطة مكافحة الإرهاب والدعم السياسي, لطالما ابتز النظام السابق هذا الدعم العقيم بتخصيص كتائب من الحرس الجمهوري والأمن المركزي التي استُخدمتْ لاحقاً في قمع شباب الثورة السلمية.
بشراكة مع النظام السابق, تنتهك الطائرات الأميركية الأجواء اليمنية باستمرار لتنفيذ ضربات استباقية للقاعدة المتواجدة في جنوب البلاد وما تخلفه تلك الضربات من ضحايا مدنيين عُزل سواء بعلم القيادة الجديدة أو بدون علمها.
بغض النظر عن الدعم الأمريكي لعملية التوافق أو حتى مكافحة الإرهاب الذي لا بد أن يقتصر على الدعم اللوجستي للجيش الموحد, على الرئيس الجديد وحكومة الوفاق التنبه لمثل هذه العلاقة التبعية المتراكمة, ووضع سياسة جديدة للتعامل مع هذه الدول، مبنية على الشراكة الحقيقية والتعاون الجاد وليس على التبعية وانتهاك السيادة الوطنية.
هذه التدخلات القميئة من شأنها تقويض هيبة الوطن محلياً ودولياً, أليس حري بحكومة الوفاق التي صدر عنها تصريحات بعدم علمها المسبق بتلك الغارات الأمريكية, أليس حرياً بها استدعاء الشيخ (جيرالد فايرستاين) وإبلاغه على الأقل انزعاجها من هذه الخروقات, كذلك على شباب الثورة التنديد بهذه التدخلات بالاحتجاجات السلمية.
متولي محمود
شراكة.. أم تبعية!! 2125