كم نحن موجعون لهم !وكم نحن قساة عتاة عليهم! لكأنهم لم يتقدمونا حباً لنا، ويناظلون من أجلنا ويواجهون الخطر دفاعاً عنا.. فعلاً إن من يتخلى عن جريح إنما يتخلى عن مواثيق وعهود وأيمان غليظة وهو كمن ينكث العهد تماماً، ونحن إزاء هذا الجريح نخجل من أنفسنا نرى إلينا بلا إنسانية، تلفنا الأنانية ونمتطي الجبن بمجرد قبولنا بآهة جريح، ما بالنا بمن ذهب إلى الانتحار كي لا يرانا تعباً ولغباً عليه وقهراً يأتيه منا..نحن لسنا نحن.وثمة جرحى يعانون،وثورة تساوم لئيماً وبغيضاً.. وإذاً قد وقعنا في مستوى من لا يرى أبعد من أرنبة أنفه وللجريح أن يديننا ويصرخ فينا فقد قسونا عليه حين توارينا عنه.. وإذاً كيف نداري سوءتنا ونحن من جبن وعدم وفاء!؟..أيها الجريح: أنت وحدك قادر على إدانتنا وجعلنا نتمرأى الهزيمة فينا وأنت تنتصر بمجرد كشفك هزالنا..وإذاً أين نخبئ ذواتنا منك،وأنت من حدد ماهيتها تماماً وجعلها تبدو خجلة من نفسها أمام جرحك، وهو جراح كل الوطن يبقى فينا لا يكف عن إيلامنا كلما تخلينا عن مداواتك يا جريح الوطن وجريح البشر الذين يهربون من مواجهة ألمك ومداوة ما كان من أجلنا ولا يهتمون بشيء من مستقبلك.
فيما أنت قدمت دماً وجراحاً تنزف من أجل وطن نعيشه من حرية وجمال، غير أن ما تصدرته حباً يوشك على الذبول، ونحن نراك ولا نستطيع أن نقدم لك أبسط عون حتى كلمة (شكر) لتضحياتك نبخل بها عليك.. أيها الجريح الذي لا نقدر على الوفاء له، نحن مسخ إنسان ما لم نقم بالواجب،والحكومة من دمى وأكاذيب وضلال وبهتان ما لم تقم برفاهيتك وليس علاجك.إن ما هو أشد قسوة من رصاصة أتتك هم الذين ضحيت من أجلهم، ونالك عذاب لكي يبتسموا وتشرق الشمس عليهم دفئاً وحناناً فزادوك إيلاماً وقد صح قول الشاعر هنا:
(وظلم ذوي القربى أشد مضاضة.....على المرء من وقع الحسام المهند)
ولعل الشاعر هنا كان يدركنا جيداً، ويقرأنا بعمق،ويقدمنا كما نحن ظالمين لك،وقساة عليك وننادي بالويل والثبور على الظالم،ونحن نمارس الظلم بمجرد لحظة نسيانك، لحظة واحدة تديننا بقوة، ما بالك وقد أدرنا الظهر لنراك وقد أشتد بك الألم واليأس منا تذهب إلى الانتحار، ووكم كنت حينها ستجعلنا في الخيانة وانعدام الضمير وترهقنا صعوداً إليك وقد فضلت الموت على أن ترانا بشراً من هزيمة ونعاس وأنانية مفرطة.. يا جريح الوطن،ويا نبض الحياة التي لا تكف تنادينا ونهرب منها بمجرد توارينا عنك هذا نحن آدميون بلا مشاعر وقلوب بلا وفاء حين نبحث عن أعذار هي أقبح من الذنب فينا، وليس من عذر وثمة من قدم روحه علينا ونرانا نتركه للخيبة لا يجد الدواء لألم طال ليله ومستقبل لا يراه وحجبناه عنه.
وإذاً أيها الوطنيون الشرفاء من أحزاب وحكومة ووطن وما تشابه،ما الذي أنتم عليه وأنتم تختانون أنفسكم؟ أليس فيكم رجل رشيد يفي ويبر بالقسم الأسبوعي بعد كل صلاة جمعة؟ لعمري لقد وقعنا في فخ الهزيمة بمجرد أن جريحاً أوشك على الانتحار ليرصدنا واحداً واحداً كلنا تعب وضجر وبلا رحمة وكثير منا مزايدون لمجرد إزورارهم عن بعض واجب ملقى على العاتق إزاء جريح أو شهيد.. وإذاً ما المتبقي لنا من قيم ونحن نواري الوفاء، وننأى مسافات بعيدة عنه حين لا نوفر علاجاً لجريح؟.. الله ما أقسانا وما أعتانا ونحن نهزأ من جراح لم تنز، بل ونهرب من استحقاقات جريح على وطن وعلينا وعلى كل من يرى الصبح ولا يخطر بباله مرة دم جريح وشهيد سقط.على وطن.. إذاً سيكون ونحن بلا مواقف،وبلا وفاء، ونعيش الفرجة على الألم؟وأي مستقبل سيكون عليه الجيل القادم ونحن نخون المستقبل في جرح لم نستطع مداواته وزدناه ألما ودفعنابه إلى الانتحار أو كاد.؟..
ويا أيها الجريح: يا إدانتنا التي لم تكتملن،.يا وجع وطن،ونبذة مختصرة عن ظلام وقلة وفاء، ويا تاريخنا الذي يكشف قبح تخلينا عن تمكينك من أن تكون مؤهلاً في وطنك تفخر بتضحيتك وتباهي المستقبل من خلالنا ونحن نقدم ما تريده، غير أنا صرنا "كشرذمة قليلون" نجيد الخطابة والفرار من أبسط التزام نحوك ونعتق الأماني بل نخبئها منك، ونحترس أن تتموضع، بمجرد قليل من نسيان جراحك..ويا جريح وطن، ياعثرتنا في الآدمية،ياصوبنا في العميق حين لا نراك وأنت فينا كما كتاب الله ومع ذلك نحاول الفرار منك إلى مستنقع الكلام وتعسيات أخرى،ونطيل التأمل فينا لما نحن هكذا شذر مذر ولا نعرف أنك قد لخصتنا في جرحك حين لم نقم بما يمليه الواجب نحوك،في حين الواجب يفترض أن لا يجعلك هذا الوطن محتاجاً لشيء...وإذا تعس من ينادي حرية ويراك جريحاً وألماً ولا يلقي بالاً لك، تعس وطن ينسى عشاقه ومحبيه الحقيقيين ويذهب إلى حيث بئس الظنون يناقش المستقبل والربح والخسارة وينسى آدميته وحقك عليه..يا جريحاً كشف عنا كم نحن بلا انتماء حين لا نوفر لك قليل من مهدىء لألم؟وتلك الفضاعة كلها،حين لا نراك كما يجب، ولا نرى إلينا بشرا من نعاس ومزايدين ومهرجين ومأفونين، وأنت من حدد بوصلتنا جيداً ولا نرى أنفسنا غير ذلك ما لم نقف أمام جراحك ونديننا إن لم نقم بما علينا من واجب.. ويا أيها الجريح (أنت حتى جراحك ليست كأي جراح، أنت حتى عذابك ليس كأي عذاب) لأنك متفرد في صلاتك واستبسالك وقيامك وقعودك، فيما كلنا مازلنا نعاساً ويكاد الذباب يغطي الشفاه تلك التي تلقي الخطابة لتعاود النوم، ولا تتحدث شيئاً عنك.. يا شهيدنا الحي، يا محراب الوطن، يا صلاة الاستسقاء كي ينزل الفرح علينا ونحن نمارس تعذيبك وقهرك دونما شفقة أو رحمة وقد مسك الضر وليس من أحد سوى الله أرحم الراحمين،أما الذين كنت تناضل من أجلهم فقد أثخنوا جراحك وزادوك دماً على دم،كأنهم صمموا من وقاحة وما يليق بالكذب وشرف ادعائه وأنت يا سيد المرحلة والوطن والحرية والعطاء،أنت من يرينا الهزيل ويشير إليه بمجرد تواريك مع جرحك تتحسس نبضك وتذرف الدمع ليس من ألم ولكن من أهل لا يرعون معروفاً ويتنكرون لدم،ويزيدون تجاهلاً لما هو واجب وتعس كل من لا يرى جريحاً ويستنفر كل قواه كي يلتئم المعنى العميق للجراح ويقدم ورداً وشذى ياسمين لمن وهب بلا تردد دماً من أجلنا،تعس من رأى جراحاً لثوري وهرب من واجب عليه لا يلوي على شيء وهو يهرب إلا ليغيب عن نفسه وجراح صاحبه.. ويا جريحاً كاد أن ينتحر كنت ستجعلنا دميمين جداً بمجرد الصلاة عليك التي هي الصلاة علينا جبناً ونفاقاً بمجرد وقفتنا أمامك ببلادة منقطعة النظير، غير أنك قد قرعت الجرس لنا لنرى إلينا ونسأل هل نحن نحن؟ هل ما نزال نمتلك وفاءً؟ ولما جراح أحدنا هناك ألماً فيما الندوات والإحتفائيات بالنصر تزداد؟وهل حقاً انتصرنا وثمة جريح يتألم بيننا؟وهل امتلكنا المستقبل وثمة جراح لا مستقبل لها وتنزف يومياً؟ أسئلتنا تدمينا يا رجل الاستثناء في وطن توأم الروح لكنه ما يزال بعيداً حينماً لا نراك معافى..
محمد اللوزي
من وحي جريح كاد أن ينتحر!! 1874