تشهد الساحة العربية – شأنها شأن كل الساحات في العالم – انطلاقاً فكرياً على قدر كبير من الموضوعية، وتشيع أيضاً أفكار ونظريات على قدر كبير من الموضوعية.
الفكر الموضوعي يقل أنصاره بسبب صفة الحياد التي يتصف بها، وأصحاب الرؤى والمصالح لديهم ميل إلى التحالف مع الفكر غير الموضوعي الذي ينهض برؤاهم ومصالحهم.
والفكر العربي، بأنواعه المختلفة من الفكر الديني والقومي والاشتراكي والليبرالي والرأسمالي والعلمي والوضعي في مختلف المجالات، يتجلى تجلياً جزئياً و يطبق تطبيقاً جزئياً. ومما يحد النتاج الفكري الخلفية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية القائمة، ولو كانت هذه الخلفية مختلفة وأكثر مواتاة لأنتجت العقول العربية قدراً أكبر من الفكر.
ويجزم الدكتور تيسير الناشف- خبير سياسي عربي- انه قد لا يجافي الحقيقة إنْ قال إن قدراً قليلاً نسبياً من هذا الفكر الموضوعي يُطبق ويُراعى.
ومما يحول دون تطبيق قدر أكبر من هذا الفكر هو أن الجهات القوية صاحبة الرؤى والمصالح تولي الأولوية لرؤاها ومصالحها.
وفي حالة التناقض بين هذه الرؤى والفكر تكون الغلبة لأصحاب الرؤى والمصالح إذا كانوا أقوى من أصحاب الفكر الموضوعي. وهم في أغلب الأحيان أقوى من أصحاب الفكر الموضوعي.
ويفرض الواقع الاجتماعي-الثقافي والاقتصادي والنفسي قيداً على أصحاب الفكر، وخصوصاً الفكر المنطلق والخلاق. وبسبب هذا القيد يبقى قدر كبير من الفكر حبيس الصدور، ويبقى دائراً في الخاطر، لا يخرج إلى دائرة الضوء، وقد يموت صاحب الفكر ويختفي فكره معه.
وكلما كان الفكر أشد صراحة وجرأة ارتفع احتمال أن يلقى مقاومة أكبر وزاد احتمال أن يلقى صاحبه عقاباً أقوى. ولذلك يحتمل احتمالاً كبيراً أن يكون الفكر المضمر في النفوس الفكر الأشد صراحة وجرأة والأقوى نقداً.
ونظرا إلى أن كثيراً من المشاكل الاجتماعية لا يسهم في معالجتها وحلها إلا الفكر الصريح والموضوعي والجريء والنقدي الذي لا يعرف المواربة فإن بقاء ذلك الفكر حبيساً يُعَدّ خسارة كبيرة يعاني أفراد المجتمع منها.
إيمان سهيل
الفكر والمصالح على ساحة غير متكافئة 1814