رحمة الله على المجاهد عمر المختار حين قال: (إن الظلم يجعل من المظلوم بطلاً، وأما الجريمة فلا بد من أن يرتجف قلب صاحبها مهما حاول التظاهر بالكبريا ).
هناك نكتة متداولة بين اليمنيين مفادها أن أمريكياً سأل يمنياً: كيف يسرقون عندكم؟ قال له: شايف المشروع اللي هناك، قال الأمريكي: لا, لا أرى شيئاً، اليمني: عليك نور هذا تكلفته 7 مليارات.. انتهت النكتة.
وهكذا تنتهي المليارات في مشاريع وهمية لتصب في جيوب المتنفذين على حساب شعب مرتبته في ذيل الشعوب في الصحة والتعليم ومستوى المعيشة.
في خبر أوردته بعض المواقع حول أحد هؤلاء المتاجرين بالوطن، مقدّراته وقدراته وسمعته وهيبته، كان يشتري معدات عسكرية من سوق الخردة أو (حراج دبي) بعشرات المليارات أدوات نصف عمر وربع عمر وهياكل (كندم)!.
يصعب على أي فرد تصديق أن مسؤولاً في دولة ما يفعل ذلك، من أجل الاستيلاء على فارق المليارات، لا يوجد ذلك إلا في اليمن السعيد (التعيس بهؤلاء)، الدولة التي سلطتها ( مافيا ) وقوانينها ورق حائط للدعاية لبيع الوهم وقبض السراب.
بالطبع هناك قصص كثيرة مماثلة، ونوادر تندرج في اللامعقول، بسبب الفساد والإفساد، حتى صار ذلك معلماً رئيسياً لبقايا دولة وبقايا نظام، مرض استشرى طيلة عقود من الزمن، في وطن منهك القوى, لم يتبق منه إلا حطام دولة بحاجة لتجميع أشلائها، وإعادة حقوقها المسلوبة, الأرض والثروة والسمعة, وترميم للقيم وصحوة للوعي, وربما أيضاً لهراوة ( بن عمر)، وطن لا يبقى حاملاً لشعب كما وصفه أحد الأدباء ذات مرة ( بالرهينة ) عنوانه السماطة والجنبية وجلباب الشيخ.
قد نفهم ما الذي يجعل المرء بكبريائه وغروره لا يتنازل بسبب ثورة وصلت إلى عتبة بابه، ويتنازل بسبب ( هراوة ) مجلس الأمن، إنه الاستحواذ المرضي، وعقدة التملك، وكذبة ( البطل ) الذي يقتل أبناء جلدته ويُقبل حذاء الغريب، لم يعد أحد يشكك بدور السلطة والمال وتأثيرهما على الصحة النفسية، إذا ما استحوذا على المرء وتحكما، وشكلا شخصيته، وأصبحا الغاية والوسيلة في بيئات تجعل للمال السائب مدارس وخبرات في السرقة، والاحتيال والنصب، وشهادات وألقاب، تحت عناوين مزخرفة، تستبد بالذات وتسيء للفطرة وتمسخ السجايا والقيم، وتذهب به إلى المجهول.
نعم يحدث ذلك في اليمن تلك الدولة الغائبة المغيبة، وتحت مظلة فساد تغطي ساحته من أقصاها إلى أقصاها.
أجزم أن حكايات ألف ليلة وليلة والشاطر حسن تتقزم أمام صور الفساد تلك، وأن مصطلح ( المبكي المضحك ) يكاد يكون صناعة يمنية بامتياز.
قبل يومين تداعى شيوخ القبائل للاجتماع تحت شعار ( الجمهورية والوحدة والديمقراطية )، وكان هذا الشعار للديكور والاستغفال، حيث كان هذا التداعي لإدانة رئيس الوزراء باسندوه بسبب تصريحاته حول الـ13مليار والذي لوح بعدم إعطائها لهم وهو المبلغ الذي تم إضافته إلى ميزانيتهم التي تفوق ذلك بكثير.
وخرج هذا الاجتماع ببيان أقل ما يوصف به وفق المثل اليمني (سارق وكمان مبهرر) حين ذكر أن المليارات التي تصرف لهم مقابل (أدوار وطنية وإصلاحات سياسية) وذهب إلى أبعد من ذلك حيث اعتبر هذه الأموال (حقوقاً مكتسبة)، واضربوا أنتم كفاً بكف، ولتذهب أحلامكم ودماء شهدائكم إلى الجحيم.
اعتاد المرء عند الكذب أو التحايل استخدام كل الوسائل ليغلف فعلته تلك ليجعلها سلعة قابلة التصديق والتسويق، إلا عندنا فهو لا يحتاج لمثل هذه الوسائل مع استعداده كذلك لإظهار لسانه لك للتأكيد على استغفالك ووقاحته معك.
لم نكن نتخيل بلاهة تلك المصطلحات وبيع الوهم ( الديمقراطية والانتخابات النزيهة والتداول السلمي للسلطة ودولة النظام والقانون) ونحن نسمعها مراراً وتكراراً تعطى لنا بجرعات كأقراص مهدئة لمختلي مصحة عقلية.
رحمة الله عليك يا ابن شملان لن نستطع تخيل كم الوقت والجهد الذي كنت ستحتاجه فيما إذا (باض الديك) وفزت بما كانت تسمى انتخابات في عام 2006م لتستلم السلطة وكم كنت ستحتاج لهراوات محلية، وإقليمية ودولية وربما أنهار من الدماء لتتمكن من الجلوس على الكرسي.
وحدث ما حدث وها نحن الآن أمام المحك نتساءل: كم تبقى من (العُقد) التي على (بن عمر) فك طلاسمها وحلها مستخدماً تلك الهراوة في دولة قائمة على أعمدة من الفساد حتى نخرج من تلك الدائرة ونلتحق بمصاف الشعوب التي تحيا بعزة وكرامة، الدول التي تحترم الإنسان ولا تستغفله؟.
في الواقع لا أعرف كم من الصبر والجهد الذي يحتاجه (بن عمر) في إنجاح مهامه أثناء زياراته المتكررة لليمن مستخدماً تلك الهراوة، فرأس السلطة احتاج لهراوة من أجل التوقيع والقائد العسكري بحاجة لهراوة للتسليم وشيخ القبيلة للتنازل ومدير المؤسسة للمغادرة وووو والقائمة تطول و(والعصا لمن عصى).
لسوء الحظ نحن اليمنيون تفوقنا على العالم باحتقار النفس وجلد الذات من حيث ندري أو لا ندري والتقليل من شأن العقل مع أن تاريخنا وتراثنا يشهد بأننا شعب الحكمة والإيمان والماضي التليد.
ولا بأس علينا إذا ما قررنا غداً بفعل اليأس وضع تمثال (الجندي المجهول) لرجل وهراوة بدلاً من مجسم الحكمة، حتى نعطي للرجل حقه، وللهراوة حقها، وتبقى الحكمة محلك سر، حتى إشعار آخر.
///////////
فؤاد عبد القوي مرشد
تمثال (بن عمر) والهراوة 2238