;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

ما لا يُمكن أن ينساه التاريخ للرئيس هادي!! 2333

2012-05-10 04:04:42


بمُجرّد أن تذكر اسـم اليمن يتبادر إلى ذهن السامع قصة حضارة وقصة تاريخ وروعة الإبداع على المستوى الإنساني والمادّي, بمُجرّد أن تسمع اسم اليمن تتجه ذاكرتك فوراً إلى سبأ وحميَر وبلقيس وإلى أصل الوجود وبدايات التاريخ, ليس هذا ما أعتقده لوحدي، بل ما يذهب إليه مُعظم المُتخصصين التاريخيين حتى أصبح مُسمَّى اليمن لصيق، بعبق أساطير التُراث البشري ورصيداً تجربته في إخضاع عوامـل الإرتقاء بالحياة الإنسانية بإستخدام قوانين الكون والاندماج معها وبذلك أصبح مُسمَّى اليمن أكبر من الإنسان اليمني المُعاصر للمُسمى في أي مرحلةٍ تاريخية من حياته مُنذ قرونٍ طويلة, غير أن الغريب أنه برغم رصيده التاريخي الضخم إلا أنَّ الإنسان اليمني في الفترات التاريخية القريبة السابقة ظلَّ قابعاً في سحيق التخلف البشري خارجاً عن مدار التاريخ والأغرب أنَّ قِلة من اليمنيين حاولوا تشخيص أسباب هذه الحالة أي التبايُن مابين الرصيد التاريخي والإنسان اليمني, المجانبة مابين مقومات الحضارة المُودعة فيهِ وواقعه المؤلم ولن أذهب بعيداً للاستدلال على هذه الحالة، فقد حاول ثوار((48 العودة باليمن للتاريخ، غير أنَّ ثورتهم لم تنجح، فلم تكن تُسعف الشعب ثقافتهُ ليُدرك ماذا يُراد به من خلال الثورة، فهو كان يظن أنَّه يعيش في جنَّة الإمام وما الثوار إلا خارجون منها كما خرج أبونا آدم من الجنَّة, كان الشعب في وضع فكري مُتردِّي وعزلة حضارية تكاد تصل به إلى الانقطاع عن العالم المُحيط به، فلم يع لذلك أنه في أتون الجحيم ذاته بدلالة جوعهم وفقرهم ومرضهم حتى وصل بهم الحال إلى الخشية من انقراض نسلهم ومع ذلك كان الجيل حينذاك لا يُدرك حجم الكارثة التي يحياها.
وعموماً بعد فشل هذه الثورة واستشهاد قادتها تكررت محاولات النُّخب في عودة اليمن للتاريخ وإخراجه مما هو فيه من تخلُّف وانحطاط معيشي، غير أنها فشلت حتى وصلت المحاولة ذّروتها في ثورة 26 سبتمبر ونجحت هذه النُّخبة الثورية في إزاحة السلطة السياسية الإمامية، ورغم هذا النجاح على المستوى الثوري والسياسي إلا أن الأوضاع من وجهة نظر تاريخية واجتماعية ظلّت كما هي عليه، فلم يتغير شيء، فإنسان ما قبل الثورة هو إنسان ما بعد الثورة والوضع الإجتماعي هو الوضع الإجتماعي وكأنَّ شيئاً لم يكُن, قد يقول قائل: أنت مُبالغ، أنظر للسيارات، أنظر للطائرات، أنظر للإسفلت، أنظر للمستشفيات، أنظر للنظام السياسي الجمهوري!، كُل هذه تغيرات فلما تنكرها؟.. أقول بكل صراحة هناك فرق مابين تنظيم الحياة المدنية التي تفرضه علينا طبيعة مُعطيات العصر والإجتماع البشرية وما بين الخروج من حالة التخلُف والدخول في مشروع حضارة, نعم استوردنا أشياء العصر، لكننا لم نُنتجها، بل وللأسف الشديد نُسيء استخدامها وحتى لا أذهب بعيداً أقول لهؤلاء: إستراتيجياً استهدفت ثورة 26 تغيير النظام السياسي الإمامي واستبداله بالنظام الجمهوري ومع ذلك حتى هذا الهدف الإستراتيجي لم تحققّه من الناحية الموضوعية، فقد وصل بنا الحال إلى نظام أشدّ بؤساً من النظام الإمامي، على الأقل كان الإمام هو الإمام وولي العهد هو ولي العهد أمام الشعب وبنص دستورهم، فلم يكن هناك دجل سياسي كحال النظام السياسي البديل، رئيس بصلاحيات ومنهجية ملك وأقاربه أمراء تحت مُسميات عسكرية وإذا بالثورة تصل في مُحصلتها كنتيجةٍ إلى عكس أهدافها وفُرِّغت تماماً من محتواها وأفرزت في الّلاوعي السياسي دكتاتورية أعادت اليمن إلى ما قبل الثورة وبالتدقيق في هذه المراحل الثورية استبان أن الإشكالية تكمن في الإنسان اليمني الذي كان خارج المعادلة الثورية, لم تكن الثورات تستهدفه بالدرجة الأولى، أعني أنها لم تسع لتغييره ثقافياً سواءً ما قبل الثورة أو أثناء المراحل الثورية أو ما بعد الحسم الثوري، فقد كان الثوار يظنون أنه بتغيير النظام السياسي سيتغير الإنسان اليمني تلقائياً، غير أن الذي حدث هو أن قيادات الثورات كانوا يُستشهدون وتُدفن معهم أفكارهم هذا جانب, والجانب الآخر كان هناك تصور لنخب اجتماعية ذات رؤى معرفية أدركت أن الإشكالية اليمنية التاريخية ليست سياسية في عموميتها بقدر ما هي فكرية في جذورها ولذلك سعت ناحية تغيير الأفكار، غير أن هذه النُّخب كانت محدودة ورغم محدوديتها إلا أنها أثَّرت نسبياً في التاريخ والإنسان اليمني كابن الأمير الصنعاني والشوكاني ومحمد بن إبراهيم الوزير وآخرهم الشهيد/ محمد الزبيري، فمازالت أفكارهم متداولة في أوساط العالم العربي والإسلامي.. وبشكلٍ عام استمر الوضع التاريخي لليمن بعد ثورة 26 كما هو عليه حتى انطلقت الثورة الشبابية السلمية وطالبت بإسقاط النظام السياسي وهو ما حدث بالفعل بتاريخ 21 فبراير وأصبح لليمن رئيس جديد أنتجته الثورة وبالاستقراء التاريخي والواقعي استبان أن الإشكالية التاريخية مازالت في اليمن قائمه حتّى اللحظة، فأنا أعتقد كما ذهبت بعض النُخب اليمنية في المراحل التاريخية السابقة للثورة الشبابية السلمية أن الإشكالية في اليمن ليست في الشكل السياسي بالدرجة الأولى وأن الإشكالية تكمن في الثقافة التي تنتج الإنسان والمجتمع في آنٍ واحد، وما المُشكل السياسي إلا انعكاس حتمي لحقيقة الإشكالية الثقافية، فنحن اليوم نعيش نفس المُعطيات التاريخية للثورات السابقة للثورة الشبابية ويجب أن نستوعب بالضبط طبيعة الإشكالية الآنية التي نحن فيها حتى لاتصل الثورة إلى ضدها.
أقول نحن اليوم نعيش تبعات الحسم الثوري أي مرحلة العبور الثوري وتواجهنا ثلاث إشكاليات وإن شئت سمها تحديات: التحدي الأول سياسي ملامحه الأبرز هي في كيفية التعاطي مع ممانعة الأسرة الحاكمة سابقاً في التغيير الحتمي في مؤسسات الدولة، خاصةً المؤسستين الدفاعية والأمنية, والتحدي الثاني إيديولوجي ملامحه في العنف المُسلح في أبين وصعدة, والتحدي الثالث اقتصادي ملامحه في انعدام الإنتاج الإجتماعي وزيادة الإستهلاك, هذه التحديات على المستويات الثلاثة لها مجموعة من التبعات والإفرازات في المُجنَّبات والمحاور، غير أنه يمكن القول أن هذه التحديات يمكن أن نضعها تحت مصطلح واحد يُعبر عن الحجم والبعد الواقعي والنظري لتبعات هذه التحديات مصطلح التخلف هو الممكن التي تندرج تحته معطيات وتبعات التحديات الثلاثة, فأي مجتمع في هذا الكون يعاني من إشكاليه سياسية وأيديولوجية واقتصادية في آنٍ واحد هو في حقيقة الأمر يُعاني من مشكلة تخلف ناتجة إمّا عن عدم دخوله في مشروع حضارة أو أنّه خرج منها.
وعندما نقول: إننا نعاني من إشكالية تخلُف، فيجب أن نُحدد موقعنا التاريخي من الحضارة الإنسانية، فنحن في اليمن خرجنا منها ونريد العودة إليها والعودة إليها تقتضي أن تُفَّعل ثورة من نوعٍ خاص كان يجب علينا أن نخوضها منذ قرون، هذه الثورة هي المنقذ والمخرج الوحيد لنا مما نحن فيه، هذه الثورة هي التي سيُخلد التاريخ من سيقودها ويفعّلها، إنها الثورة الثقافية التي أتمنى على الرئيس هادي أن يفكر في وضع ملامحها وأبجدياتها من الآن على المدى القريب والبعيد, فالثورات التي خاضها اليمنيون ضد الأشكال السياسية لم تحقق أهدافها لسبب بسيط، إنها لم تحدث من منطلقات وحيثيات مُلامسة لحقائق التاريخ وهي أن الذي ينبغي أن يتغير هو الإنسـان اليمني أولاً وأن أولى مبادئ تغييره إصلاح منابع استسقائه الثقافي وأن تغيير الشكـل السياسي ما هو إلا نتيجة لتغيير الإنسان ذاته، وليس العكس.. ومن هنا يمكن القول أن هذه الثورات وصلت إلى طريق مسدود نسبياً, فإذا كان هناك مشروع ثقافي ثوري قادم، فيجب أن يرتكز على ثلاث نقاط وهي ماهية وأسُس طبيعة علاقتنا بالله وعوامل تفعيل علاقتنا بالكون ومادته ومبادئ علاقتنا بإخوتنا في الإنسانية.
 وأختتم كلماتي هذه بالقول: أعلم يقيناً أن مشاغل الرئيس لا حدود لها، خاصةً في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا وليس من المعقول أن يلتفت إلى هكذا فكره، خاصةً وهي أقرب مرحلياً إلى الخيال منها إلى الواقع, لكني أطمحُ من الرئيس أن يتأمل التاريخ هل يُخلِّد إلّا العُظماء الذين يؤثرون على شعوبهم ويغيروا مسار حياتهم, تأمل إلى التاريخ هل يكاد يُذكَر قادة المعارك والانتصارات السياسية؟! هؤلاء لا يكاد يذكرهم، فنشوة انتصاراتهم مؤقتة لا تتعدى جُغرافيتهم وذاكرة الجيل الذي عاصروه, التاريخ يُخلد مُهندسِّي الأفكار وزارعيّ الثقافات والذين يضعون شعوبهم على مدار الحضارات.. أيها الرئيس مهما بذلت من جُهد على كُل المستويات ستنسى اليمن ذلك كله إلا شيئاً واحداً لا يمكن أن تنساه لك وهو أن تضعها على أعتاب بدايات التاريخ من خلال ثورة ثقافية تقودها أنت شخصياً حتى تستكمل عوامل القصور في كل الثورات السابقة لوجودك, ستبقى الثورة الثقافية إن حصلت خالدةً في ذاكرة اليمن، فهي الثورة الوحيدة التي نفتقدها وهي الثورة الوحيدة التي قد تصنع من اليمنيين أجيالاً حضارية ترتقي إلى مستوى اليـمن..

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد