تربية الإسلام للمسلمين تتضمن جانباً هاماً لا تستغني عنه الحياة الإنسانية الجادة الهادفة، وهو جانب الإحساس بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى.
فالإسلام يربي شعور المسلم بأنه مسئول أمام ربه محاسب على كل صغيرة، مراقب في السر والعلن، مسجل عليه كل سلوك مهما دق أو صغر، في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، ألا أحصاها، وهنا نفهم الإحساس بالمسؤولية أنها عقيدة مغروسة في أرواح وقلوب المؤمنين بالله، لأنها تتعدى حدود الفردية دائماً، وهي صوت مؤثر ولسان بليغ تحتاج إليهما البشرية في هذا الزمن الرديء الذي استأثر فيه الأقوياء بالشكل والمضمون، وعاثوا في الأرض بالفساد والدمار النفسي والأخلاقي والمادي، لأنهم أرادوا كبت حرية الإنسان، وشراء ضميره بثمن بخس دراهم معدودة، إنّ حمل أمانة المسؤولية بصدق هي أهم مصدر للأمان الكوني الذي يرفع الفرد والجماعة من الآفاق المتدنية إلى مساحة عرضها السموات والأرض، بحيث يجد الإنسان الملاذ الآمن من غطرسة المال والنفوذ الذي يسحق الكرامة ويميت جمالية الحياة بأبهى صورها.
إن الأرواح الطاهرة والقلوب الصافية قد طبعت في الإنسان الحر المسئول الفكر النزيه والسلوك السوي النابعين من القلب الطاهر المحافظ على صفائه ونقائه والذي عشق حب المسؤولية وخدمة الآخرين، دون طلب لثمن مادي، إنّه حامل قلب نبوي مهتم بهموم غيره، يترفع على بؤسه البدني، فيخطط لسعادة البشر حوله، ويرسم البرامج نقوشاً من أجل أمان وسرور مجتمعه الذي ينتسب إليه، وكم يجد من العذاب عندما تصاب الأمة بالبؤس والشرور، هذا الإحساس الأخلاقي بحس المسؤولية هو جزء من جدول أعماله اليومية، يتبارى ليحوز على الموقع الأول في التنافس الشريف في الخدمة المجتمعية، وأعتقد أن هذا هو العزم الشريف الذي يرفع الإنسان درجات فوق درجات عند الله، ويكسب القرب من الخالق عز وجل.
لا يليق بإحساسنا بالمسؤولية أن نقول كلاماً فارغاً ثم نمضي في طريقنا، لا يليق أن نزعم حمل المسؤولية ونحن محاصرون أفراداً وجماعات بالعداوة والبغضاء لبعضنا، بل والتخطيط الماكر لسرقة سرور الآخرين، واغتيال شخوصهم، إننا بأمس الحاجة إلى طرد هواجس الظلام التي تسيطر على عقول الأفاكين فينا، وبحاجة لطرد ما يمضغ وجودنا وشخصيتنا من دواخلنا، وإن لم نفعل، فسوف نرى يوماً نعجز فيه عن الحفاظ حتى على وجودنا الحاضر.
إن الإحساس بالمسؤولية وأدائها يبث روحاً جديدة في حياتنا مشبعة بالإيمان وحب الإنسان والحرية والكرامة، وبهذا نرسخ الجذور المعنوية لشجرة مباركة تنمو وتزدهر بهذه المعطيات، وتزهو حقولاً جديدة خضراء بامتداد تلك الجذور، بهذا يعلو الإنسان على الأنانية الضيقة، لأنه نذر نفسه لخدمة المجتمع، وينتعش من جديد لأنّه تقاسم الواجبات والتعاون المتبادل مع أبناء مجتمعه، إنّ أخلاق المسؤولية هو أول وسيلة لتحقيق الرؤى الصادقة، أما السكون والجمود فهو موت وانحلال، واللامسؤولية في الحياة فوضى وتخريب، فلا مفر من ضبط تصرفاتنا بالمسئولية إذا أردنا حياة مشرقة للبلاد والعباد، لأنّ حكمة وجود الإنسان في الكون واستخلافه فيه هو تحقيق عمارتها وغايتنا في نهاية المطاف تحري رضاء الله في كل رفّة عين، إننا بهذا الجهد المتواضع الذي يتسم بالعلم والأخلاق والحق والعدل سنلم شعت أشلاء الأمة المباركة التي تمزقت وتشردت في أرجاء المعمورة، لنجمع الأجيال التي ظلت بلا راعٍ ولا هدف في ظلال دعوة الله الجامعة " وأنّ هذه أمتكم أمة واحدة" على منهاج وتربية رب العزة والاعتصام المتين بحبل الله الذي يجمع ولا يفرق يوحد ويقوي ، بعد أن ذاقت الأمة مرارة الحرمان والتشرذم.
رائد محمد سيف
الإحساس بالمسؤولية 2035