اعتقد أن الجميع اليوم شاهد واستنتج مدى الارتباط والعلاقة بين النظام السابق والقاعدة المتواجدة في اليمن خصوصاً بعد اشتداد وقع خطى الثورة الشبابية الشعبية التي أسقطت النظام وأصبح لدينا من العوامل والأسباب الكثير والكثير التي تمكننا من الجزم والإقرار بأن النظام السابق كان رقماً مهماً للقاعدة ومنبعاً من منابع الدعم والإمداد لها...
ولكن في نفس الوقت لا نستطيع أن نجزم بأن النظام السابق استطاع السيطرة على القاعدة، لأن تركيب القاعدة البنيوي لا يسمح بأن يسيطر عليها أمثال النظام السابق أو أي نظام آخر، إنما يمكن أن تقام معها علاقة مصالح وهذا ما كان بينها وبين ذلك النظام فهو وفر لها الملاذ الآمن للهروب من المطاردة العالمية، بينما هي وفرت له أوراقاً استطاع بواسطتها ابتزاز دول الجوار وساعدته في فرض قبضته على البلاد بطريقة أو بأخرى، فأصبح يستجلب الدعم له ولزمرته بحجة انه واقع تحت تهديد مظلة الإرهاب.
كل ما ذكرته في السابق فقط لمحة بسيطة لأقول هذه المسلمة البسيطة: إن سقوط النظام السابق ليس معناه سقوط القاعدة وأيضاً إن سقوط القاعدة ليس باللازم ينتج عنها أن يسقط النظام السابق، فالعلاقة بينه والقاعدة علاقة تكامل مصالح وليس علاقة زعيم بأتباع منضمين تحت لوائه.
ومنذ أيام قلائل اتجهت الدولة ممثلة بالرئيس عبدربه هادي منصور ووزير الدفاع ومجموعة من القادة العسكرين، إضافة إلى دخول العنصر الشعبي كلهم مجتمعون في توجيه حملة عارمة تهدف إلى استئصال القاعدة وجذوتها خصوصاً في أبين التي تعتبر أكبر معاقل القاعدة في الجزيرة العربية والمنبع الاستراتيجي لها في المنطقة ككل وقد توالت الأحداث في هذا الخضم تباعاً وستتوالى، فتعالوا بنا نقرأ مجريات الأحداث في سطور فنعطي نظرة واقعية ملموسة لمجريات الأحداث:
أولاً : بعد مرور أيام قلائل من بداية الضربات الشرسة على معاقل القاعدة خصوصاً في أبين أحدثت هذه الضربات ضغطاً رهيباً على فلول القاعدة، ستجلعها تحاول أن تشتت من تركيز القوى ضدها في حين ستستميت في المحافظة على سيطرتها لأبين، لأنها لن تتنازل بسهولة على هذا المعقل المهم والاستراتيجي، لها فكان من المتوقع أن تقوم باستخدام نفس الإستراتيجية التي تستخدمها القاعدة كل مرة وهي إستراتيجية التشتيت والتي تتضمن النقطتين التاليتين :

1. توسيع دائرة النار لتنتشر في أكثر من محافظة تشعلها خلاياها المزروعة هناك لغرض تشتيت الحملة وإخراج أبين من تحت مظلة الضرب العنيف وقد يكون هذا في مناطق عدة منها رداع أو لحج أو حضرموت وغيرها وأنا أرجح أن تكون إما في حضرموت أو لحج وسنرى في الأيام دخول هذه المناطق في دائرة النار.
والسبب بسيط لان فيها تواجد مكثف لخلايا القاعدة في ظل خفة الوقع الأمني في هذه المناطق، أما عبر قتال ستحاول فيه فلول القاعدة السيطرة على مراكز حساسة للدولة أو عبر القيام ببعض العمليات التفجيرية التي تشتهر فيها القاعدة.
2. أن تحاول استقطاب أكبر قدر من أفرادها للتسلل نحو أبين وفتح الحصار المطبق عليها وعلى مقاتليها لتوفر لها خطوط إمداد قد تكون أقفلت أو ستقفل من قبل الجيش واللجان الشعبية التي تقيم حرباً ضارية مع فلول القاعدة في أبين..
ثانياً : من خلال قراءة متأنية نلاحظ أنه لا توجد خيارات أمام الحكومة إلا خيار واحد فقط وهو الإسقاط النهائي للقاعدة وهذا ما يبرر قرار الرئيس هادي بإرسال وحدات مكافحة إرهاب ووحدات قتال شوارع، كل هذا يبين أن السياسيين يحسبون الآثار القاتلة من فشل هذه الحملة ضد القاعدة خصوصاً هذه المرة ومردوداتها العكسية في معنويات الجيش وهيبة الدولة التي تحاول أن تضع لها ملامح وأساسيات قوية وسط المعمعة التي تجرف البلاد فلا مكان اليوم للفشل.
كما انه بات جلياً أن الدولة ستتبع أسلوباً وهو أسلوب فصل القاعدة عن الوسط الشعبي بعد أن توفرت لهذا العوامل التي هيأت من سقوط القاعدة في نظر بعض المتعاطفين معها من أبناء الشعب، إذ أن هناك إجماع شبه شعبي اليوم على ضرورة إسقاط القاعدة لأنها أحد أهم الأخطار التي تهدد أحلام الشعب وثورته.
ومن المتوقع في القريب العاجل أن تطارد الدولة القاعدة في كل مكان تتواجد فيه وفي أي مواقع قد تتحصن فيها عبر زيادة الاستعداد الأمني خصوصاً داخل المحافظات الجنوبية وتوجيه الحملات الشعبية نحوها وسنشهد في العاجل القريب زخماً هائلاً لمواجهة القاعدة غير مسبوق له في تاريخ البلاد وكل هذا سيؤدي إلى سقوط أغلب معاقل القاعدة إن لم يكن جميعها على وجه التقريب لتكون اليمن أول شعب أسقط القاعدة بنفسه.
في الأخير أضع تساؤلاً: هل تصفية معاقل القاعدة وإسقاطها معناه إسقاط القاعدة بشكل نهائي وزوال خطرها على البلاد.
أجاوب: لا أعتقد هذا إن ما سيحصل ليس إسقاطاً ومحواً نهائياً، إنما إسقاط لأكبر تنظيم متمركز داخل الجزيرة العربية..
وأقولها: سيزول هذا التنظيم لكن ستبقى بعض من آثاره، وتوابعه مهمة التخلص منها تحتاج لعوامل ولفترة زمنية وهذا سنطرق له إن شاء الله في مقال قادم أن سمحت لنا الأقدار بذلك..