البنك المركزي الصيني أعلن منتصف أبريل أن هامش تقلب سعر صرف اليوان الذي كان محدداً بنحو 0.5 % مقابل الدولار سوف يصبح 1 % وبرر البنك قراره بتطور سوق العملات في الصين والتعزيز التدريجي للقدرة على تحديد الأسعار وإدارة المخاطر في الأسواق.
البيت الأبيض التزم موقفاً أقرب إلى الحذر بعد إعلان مصرف الصين الشعبي "البنك المركزي" توسيع هامش تقلب سعر صرف اليوان، مؤكداً أنه يريد مزيداً من الإجراءات.. الأميركيون يطلبون المزيد من الإجراءات وأن يروا الصينين يقومون بخطوات أكثر لتحسين سعر عملتهم لتتناسب مع قيمة السوق، هذا التغيير سوف يسمح بتقلب سعر "الرنيمبمي" أو عملة الشعب الاسم الرسمي لليوان ـ حسب السوق.
وكانت بكين تواصل التحكم بسعر عملتها والبنك المركزي الصيني يحدد سعر اليوان ويعلن عنه يومياً وليس تبعاً لقانون العرض والطلب كما يطبق على معظم عملات العالم.
وأكدت الصين أن الهدف هو جعل اليوان عملة قابلة للصرف بالكامل ووضع نظام لأسعار الصرف يسمح بالتقلب بحرية، حيث سمحت الصين قبل فترة بهامش تقلب نسبته زائد أو ناقص 0.5% لليوان مقابل الدولار حول سعر مرجعي يحدده البنك المركزي يومياً.
وتتهم الولايات المتحدة التي سجلت في عام 2011م عجزاً تجارياً قياسياً مع الصين وكذلك عدد من الدول الشريكة للصين منذ وقت طويل ـ بكين بإبقاء قيمة عملتها منخفضة ما يتسبب بخلل في ميزان المبادلات بين البلدين، لكن الصين ترى أن القيود التي تفرضها الولايات المتحدة حالياً على تصدير منتجات إلى الصين تفسر ضخامة العجز التجاري الأميركي الذي بلغ "295.5" مليار دولار في 2011م.
يرى الكثير من خبراء الاقتصاد والمالية أن الصين التي تعتبر أكبر مصدر في العالم وأكبر دائن سيادي وصاحبة ثاني أكبر اقتصاد فيه، سوف تتمكن يوماً من تقديم عملة الإحتياطي العالمي التي ستحل محل الدولار.. واليوان يمكن أن تصبح عملة الاحتياطي العالمي الأولى بنهاية هذا العقد أو على أكثر تقدير مع بداية العقد الجديد.
خلال قمة العشرين التي عقدت في شهر نوفمبر 2008م، وفي ذورة الأزمة المالية دعا الرئيس الصيني إلى نظام عالمي جديد يكون منصفاً وعادلاً وإدماجياً ومنظماً.
لقد أصبح وضع الدولار منكشفاً اليوم بعد ما فقد ربع قيمته منذ تطبيق نظام تعويم العملة عام 1973م، ومنذ ذلك التاريخ فقد الدولار أربعة أخماس قدرته الشرائية "قياساً أمام سلعة من السلع الاستهلاكية"، وهذا التدهور في وضع الدولار يجعل رؤساء البنوك في دول الاقتصادات الناشئة مترديين، وهو أمر طبيعي ومفهوم فيما يتعلق بالاحتفاظ بالدولار كعملة احتياطي، وقد يوجد من يقول أنه من الطبيعي بالنسبة لأي دولة تتبوأ أو تقترب من مكانة أو وضعية الدولة العظمى أن تسعى لتدويل عملتها، أي تحويلها لعملة دولية.. طالما أن القوى الصاعدة على مسرح القوة والسيادة العمالية كانت تسعى دائماً للحيلولة دون تدويل عملاتها.. فما هو السبب الذي يدعو الصين لعمل العكس؟.
الإجابة أن الأزمة المالية العالمية كشفت للصين عن الأخطار الكامنة في هيمنة الدولار، فالنموذج الاقتصادي الصيني اعتاد على تعزيز الصادرات من خلال المحافظة على سعر العملة الرسمية منخفضاً وهو ما كان يتطلب من البنك المركزي الصيني شراء كميات كبيرة من الدولار لتعزيز وضعية الدولار، باعتباره عملة الاحتياطي العالمي ولكن تلك الأزمة كشفت أيضاً عن أن منافع هذا النموذج كانت أقل مما كانت تبدو عليه بكثير، وقد نتج عن ذلك أن الحكومة الصينية، وجدت نفسها أمام خيارات متناقضة: تعظيم الصادرات من ناحية مع تقليص عملية مراكمة الدولار مع الاستمرار في ضخ القروض الرخيصة للشركات صاحبة الخطوة على حساب المدخرين، مع زيادة الاستهلاك المحلية، وقد برز من بين هذه الظروف خيار تدويل اليوان كهدف رسمي، ليس لأن ذلك الاختيار كان يحل الجدل المستمر منذ مدة طويلة بين الإصلاحيين وبين رأي التيار الرئيسي، وإنما لأن ذلك الخيار كان يجب أن يتحول إلى سياسة، فعلية لأنه يخفي هذا الانقسام، مما يسمح للناس الذين اختلفوا بأن يتحدوا على الأقل في الأجل القصير.
هامش:
1. الاتحاد الاقتصادي 15/4/2012.
2. الاتحاد الاقتصادية 16/4/2012.
3. الاتحاد العدد "13358" 31/1/2012
د.علي الفقيه
العملة الصينية اليوان هل تصبح عملة عالمية منافسة؟ 2 2 1962