للارتقاء بمستوى أداء المعلم العربي في جميع التخصصات لابد من الأخذ بعدد من الاعتبارات المهمة، قبل أن نطلب من المعلم كثيراً من المهام والأدوار، ولابد من إعطائه حقوقه كاملة بدءاً بالحقوق المادية و...و.. وانتهاءً بالحقوق المعنوية.
فلو نظرنا إلى التجارب التي سبقتنا في هذا المجال لعرفنا الأسباب الحقيقية التي جعلت من هذه الدول في مصاف دول العالم ولن نذهب بعيداً..وسوف نستعرض عدداً من الدول المتقدمة علمياً وثقافياً واقتصادياً في قارة آسيا القريبة منا، مثل اليابان والصين وكوريا ودول شرق آسيا ماليزيا واندونيسيا وغيرهم، حيث تعد من أوائل دول العالم اليوم ولو بحثنا في الأسباب لعرفنا أنه الاهتمام بالتعليم بدءاً بالمعلم وانتهاءً بالطالب.
إذن فالعلم هو مفتاح النجاح والمعلم والمتعلم هما الركيزتان الرئيسيتان وأساس النمو علمياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً ودينياً و...و....الخ، فالمعلم هو المحرك الرئيسي لعملية التعليم والموجه لها، فإذا صلح المعلم صلحت الأجيال وبالتالي صلح المجتمع ككل، ولو أعطينا المعلم كل ما يمكنه من إعداد أجيالٍ يفكرون ويبتكرون وينتجون، لنهضنا بالمجتمعات العربية إلى مصاف دول العالم، ولن يتأتى لنا ذلك إلا بالعلم وأدواته المتمثلة بالركيزتين الأساسيتين السابق ذكرهما.. ومن ثم باقي الأدوات ( منهج، طريقة، وسيلة، بيئة صفية مناسبة، و......).
إلى متى سنظل نكرر الجملة الشهيرة في أفواه أجدادنا وآباءنا وأيضاً نحن وأبناءنا "كنا أسياد العالم في التقدم العلمي فيما مضى! نحن علمنا العالم العلوم" كفى! متى نفيق من غفوتنا! ونترجم ما بأفكارنا وعقولنا من علم ونحوله إلى أفعال ونطبق ما قام به أجدادنا الأوائل وهو استخدام وتوظيف العلم والمعرفة، ولا غير سوى العلم مرتبطاً بالمعرفة وليس العلم مجرداً، لأن العلم بدون معرفة حقيقية كالورقة بدون القلم.. أو كالشجرة بدون أوراق.. أو كالمعلم بدون توظيف المعرفة في أذهان وعقول تلاميذه..
وإذا اتفقنا في المبدأ على أن أساس النمو في أي مجتمع من المجتمعات هو العلم وركيزتيه الرئيسيتين المعلم والمتعلم، تكون نقطة البداية صحيحة! معنى ذلك أننا يجب أن نبدأ بأعداد المعلم في جميع النواحي إعداداً جيداً مهنياً وثقافياً وأكاديمياً ونفسياً ومادياً واجتماعياً ودينياً ورياضياً، بحيث لا يطغى أي مجال على الآخر ولكن بنسب متفاوتة تقرها المؤسسات التعليمية لإعداد المعلمين بكل دولة.
ومن المعروف أن مؤسسات إعداد المعلمين في جميع التخصصات العلمية والإنسانية هي كليات التربية أو معاهد إعداد المعلمين( سابقاً) التي كانت تعد المعلم لمدة عامين بعد الثانوية العامة واكتفينا بهذا الإعداد في كثير من التخصصات ولم تقم كثير من بلداننا – باستثناء البعض- بتأهيل هؤلاء المعلمين أو حتى لم تقدم لهم البرامج التدريبية التخصصية الكافية بعد الخدمة والتي تؤهلهم ليستمروا في عملهم كما يجب، نظراً للتطور المتسارع والمضطرد في العلوم والمعارف في جميع مجالات العلوم التطبيقية والإنسانية، بينما نطالب هذا المعلم بتقديم مهام وأدوار كثيرة تفوق طاقاته وإمكانياته.
وعليه فإذا أردنا جيلاً واعياً متعلماً مثقفاً تثقيفاً حقيقياً ينهض بأبناء الأمة العربية وينتشلها من الواقع التعليمي المتدني الأليم والمرير التي نعيشه اليوم لا بد لنا كمسؤلين عن هذه الأمة أمام الله أولاً وأمام أنفسنا ثانياً وأمام مجتمعاتنا وأبنائنا ثالثاً، أن نقدم يد العون والمساعدة للمعلم وإعداده وتأهيله بكل ما يساعده ويمكنه من إعداد جيل من الشباب الواعي والمثقف المتحلي بالعلم والقيم والأخلاق التي علمنا إياها ديننا الإسلامي الحنيف وحثنا على التمسك بها.
ونقطة مهمة جداً لا بد من التعرض إليها في هذا السياق وهي: من هم المعلمون المطالبون للقيام بواجباتهم على أكمل وجه لبناء جيل المستقبل الذي ننشده للقرن الحادي والعشرين؟ معروف أن مؤسسات إعداد المعلم في كثير من دولنا العربية -خاصة اليمن- ليس لها سياسة للقبول محددة وواضحة في جميع كليات التربية بالجامعات اليمنية- الحكومية والخاصة إن وجدت- وحتى اليوم ُتبين لنا ما إذا كان كل من يتقدم للعمل بمهنة التدريس مؤهلاً من جميع النواحي للقيام بهذه المهنة العظيمة وهي كما يقال عنها المصدر الأساسي لباقي المهن والتي ترقى لمهنة الأنبياء والرسل! نجد أن كليات التربية تقبل كل من يتقدم إليها من خريج يجي الثانوية العامة ليعدوا لمهنة التدريس بهذه الكليات وبكل أقسامها، وهذا المنطق غير صحيح ومن الخطأ القبول به اليوم في القرن الـ21 وفي ظل النمو المتسارع للمعرفة العلمية والتقدم العلمي والتكنولوجي في جميع المجالات، حيث أن من يقوم بهذه المهنة يجب أن يحبها ويكون شغوفاً مؤمناً بها، ومحافظاً على مبادئها وقيمها وأميناً على مستقبل أبنائنا الطلبة، لينجز خير انجاز، لا أن تكون مهنة من لا عمل له! كما هو متبع في كثير من كليات التربية باليمن، لذا وجب على كل وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي وكل إداراتها التعليمية ومكاتبها في المحافظات والمديريات المختلفة تكليف جميع مدراء المدارس الثانوية بفتح ملف للطالب بدءاً من الصف الأول الثانوي، يدون فيه كل هوايات الطالب وتوجهاته العلمية والثقافية والمهنية والاجتماعية ودرجاته بكل المواد خلال دراسته في المرحلة الثانوية عامة، ويقدم هذا الملف لكليات التربية بعد نجاح الطالب في مرحلة الثانوية العامة، إلى جانب تقديم شهادة الثانوية العامة على حد سواء للقبول بكليات التربية ويكون ذلك ملزماً لجميع من يتقدمون لهذه الكليات تحديداً، إضافة إلى امتحان القبول الملزم والتي تحدده كليات التربية كما يحدث في كثير من دول العالم ومنها دول شرق آسيا وأوروبا وأمريكا وإفريقيا، ومن هنا سوف تتضح الأمور ويتبين ما إذا كان كل من يتقدم إلى كليات التربية مؤهلاً للقيام بما تتطلبه مهنة التدريس اليوم للقرن الـ21 عصر التكنولوجيا والتقدم العلمي المتسارع، للقيام بوظائفها الأكاديمية والمهنية والثقافية والاجتماعية أم لا ؟!.
ولا بد من التنسيق الفعلي والإيجابي بين وزارة التربية والتعليم العالي ممثلة بكليات التربية بالجامعات اليمنية للقيام بإعداد المعلمين بالميدان لمستوى البكالوريوس ممن هم أقل من هذا المستوى، خاصة معلمو الثلاثة الصفوف الأولى من التعليم الأساسي، وتنشيط الدورات التدريبية والتأهيلية المستمرة لجميع المعلمين بالميدان، حتى نرقى بالمستوى العلمي والمهني والثقافي للمعلم.
حقوق المعلم وواجباته تجاه مهنته:
يعي المعلمون أن لهم كثيراً من الحقوق المادية والمعنوية يجب أن يدافعوا للحصول عليها كاملة، كما أن عليهم واجبات ومهاماً لا بد أن يقوموا بتنفيذها بصدق وأمانة وإيماناً وحباً للمهنة ( ويكمن تقديم الفكرة بشكل تفصيلي حول حقوق وواجبات المعلمين لوزارة التربية والتعليم، فهي المستفيد والمنفذ لتلك الحقوق والواجبات).
كما أن هناك جهات مسؤولة في وزارة التربية والتعليم عن توفير حقوق المعلمين بكل يسر وسهولة دون معاناة وتعب وروحة وجاية، بحيث لا يعود صفر اليدين يائساً ناقماً فاقداً لكل شيء جميل يمكنه أن يقدمه لأبنائه الطلبة من حب وود وفكر وعلم و... ويصب جام حنقه وغضبه عليهم.. وهنا تبدأ معاناة الطلبة وأولياء الأمور ويفرغ التعليم من محتواه نتيجة تلك المعاناة وتكون النتيجة المستوى المتدني للتعليم اليوم.
أما واجبات المعلمين تجاه الطلبة فهي كثيرة، أولها الأمانة الأخلاقية والقيمية والاجتماعية التي يحملها في عنقه تجاههم، وثانيها ما يجب عليه أن يعطيه لهم من علم وفكر ومسؤولية علمية وأدبية.. لذا وجب على الطرفين المعلم والجهات المسؤلة في وزارة التربية والتعليم تنفيذ واجباتهما تجاه الطرف الآخر حتى نرقى بالمستوى العلمي والمهني والتربوي للمعلمين.
كانت تلك رؤية حول وضع المعلم العربي بشكل عام والمعلم اليمني بشكل خاص، وأتمنى ممن هم في مستوى المسؤولية بدءً بوزراء التربية والتعليم في اليمن وغيرهم من المسؤولين أن يكونوا عن مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه أنفسهم أولاً وتجاه أبنائهم الطلبة ومجتمعاتنا العربية ثانياً، إذا أرادوا الارتقاء بمستوى المعلم العربي تربوياً وأكاديمياً وثقافياً ومهنياً واجتماعياً ودينياً إلى ما هو أفضل! علَ ذلك يحل جزءاً من المشكلات التربوية والقيمية والأخلاقية التي نعانيها كأولياء أمور ويعانيها أبناؤنا الطلبة والمعلمون على حد سواء، وحتى لا نستمر في التغني بالاسطوانة المشروخة التي ملينا سماعها طيلة الأعوام السابقة كان وكنا وكان أجدادنا..... الخ وعليهم أن يتذكروا جيداً أن ذلك كان قبل مئات السنين، فاليوم هو عصر العلم والمعرفة والتقنيات والتكنولوجيا والنانو والفضاء والهندسة الوراثية والنووية والجزيئية وغيره, وليس عصر التغني بالماضي! وواجبنا اليوم أن نعيد تاريخ أجدادنا المشرق عملياً.
د. فاطمة أبو الأسرار
المعلم العربي للقرن الحادي والعشرين 1799