المشهد الخطير الذي أعد له بإحكام لإجهاض السكينة العامة لعدن هو مشهد ينم عن حقد أسود وحقارة نفوس مريضة اعتادت أن تقتات من وحل الفساد ولا مانع من ذلك، إنما المانع أن تقتات من لحوم البشر ودمائهم في هذه المدينة المسالمة التي استوعبت وحمت أجناساً شتى ومنحت الأمان والعيش والحرية لكل وافد إليها وعلمت الكل معنى الفضيلة والتحضر والتسامح، هكذا عرفت عدن على مر التاريخ، نموذج مشرق لتعايش الأديان ونشر المحبة والوئام في النسيج الاجتماعي لهذه المدينة الحضرية وبكل تأكيد تاريخ عدن وماضيها الممتد أكبر من أن نصفه في مثل هذه العجالة وليس بمقدور أحد أن يفعل ذلك أو يبادلها الحب والوفاء والأمان الذي كان مهوى أفئدة اليمنيين، فلم يجدوا ضالتهم بغير هذه الأرض الطيبة عدن.
ومن هنا نستشعر فداحة المأساة التي باتت تتجرعها المدينة الفاضلة على الكل، فهناك من يقول بأن سيناريو التدمير البشع نابع من منهجية وروح النظام السابق وآخر يرمي التهمة لتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وهلم جراً وأين ما كانت الحقيقة فالمخطط الجهنمي يعكس حقداً دفيناً وعدوانية مدمرة تستهدف الأرض والإنسان ورمزية عدن في نفوس كل الشرفاء في الوطن والمحزن أكثر أن هناك من ساهم في رسم وتنفيذ ذلك المخطط القذر ممن أكرمتهم عدن بالجاه والثروة وائتمنوا لقيادتها مدنياً وعسكرياً وامنياً، فاستخدموا بطريقة مسيئة حينما لم يترددوا للقيام بذلك الدور الباعث للخزي والعار والشواهد على ذلك كثيرة، فالكميات المهولة للسلاح والذخائر التي ضخت بطريقة همجية في أرجاء عدن الذي أريد من خلالها إحراق وتدمير رمزيتها المدنية قبل أي شيء آخر أبلغ دليل على هذا الدور المخجل، ليتها تلك القيادات امتنعت عن ذلك الكرم السخي للشر مثلما امتنعت عن فعل الخير ومد العون لأبناء عدن.
أيها المتحذلقون اعلموا جيداً أن ذكاء العامة في عدن أكبر من سذاجة تفكيركم المخادع وما يجري في عدن يدركه القاصي والداني وأنه مخطط مأساوي تزهق فيه الأرواح البريئة صباح مساء في كل ركن وحافة بهذه المدينة الأم التي ظلت أبوابها مشرعة لكل قادم باحث عن حياة آمنة وعيش كريم ليحتموا بدفئها، ما كل هذا اللؤم والتنكر؟ نعم إن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا ، فبدل الحب والوفاء هاهي سهام الغدر تحيل حياة المدينة إلى جحيم وهلع، شيء لا يصدق أن ترى عدن بهكذا حال فوضى وانفلات أمني ، لعلعلة الرصاص وهدير المدافع ودوي الانفجاريات هي السائدة في ربوع المدينة، فلا تدري من أين تأتيك منية القدر المستعجلة برصاص طائش وأخرى راجعة هل هي من السماء أم من مركبة مفخخة؟ هذا هو حال المدينة المخيف حين كثرت نوازع الشر عند ضعاف النفوس والشيء الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن الإرادة المخلصة إذا اتحدت لحماية عدن ستستطيع فوراً إيقاف ذلك المشهد العابث ، فمهما كثرت القلاقل والفتن فالخير ينتصر لا محالة على الشر وأهله والعقول الراجحة في عدن آن لها أن تقول كلمتها المخلصة بعد أن طفح الكيل لهذا الصمت المخيف ،فالذين يصرون على إشعال الحرائق في عدن قلة قليلة وما جعل هذا الشر يتمادى أكثر هو التلقي السلبي واللامبالاة التي أصبحت ميزة مؤسفة في ظرف طغى فيه الإحباط والتعود على السكوت على ما يجري حتى أنتج هذه الصورة المحزنة والغير مسبوقة في حياة عدن على مدى التاريخ.
مقبل سعيد شعفل
لماذا تحرقون عدن؟ 1763