أرى البشائر تترى في نواحيها.. من بعد يأسٍ طغى من فعل طاغيها
إدراك العسكر رسالتهم
رسالة الجند في الإسلام، بل وفي كل الشرائع السماوية والأرضية تنحصر في مهماتٍ أساسيةٍ هي:-
- حفظ الدين على أصوله الثابتة المستقرة.
- حفظ النفوس مسلمة وغير مسلمة.
- حفظ العقول من تخريبها والانحراف بها.
- حفظ الأعراض والنسل والأنساب.
- حفظ المال بأنواعه: المنقول وغير المنقول، الخاص والعام.
هذه هي الضرورات الخمس لكل إنسان، وحفظها مهمة الدولة، راية دولة، والعسكر قوتها وعدتها، وأداتها الرادعة لكل من يعتدي على شيء من هذه الضرورات، أو ما هو أساس لإقامتها وحفظها.. ثم تتفرع مهمات كثيرة بحسب الحاجة عن هذه المهمات الأساسية، تبقى رسالة الجند الحفاظ عليها وحمايتها وصد العدوان على الأمة أو الأوطان وحماية القيم، الآداب، والقانون، والنظام العام، والمظلومين من مهمات الجند، ولا يعني ذلك أنهم هم الحكام، أنهم هم القضاة، أنهم هم القانونيون الذين يضعون الدساتير والقوانين واللوائح المنظمة لتنفيذ ذلك.
لكنهم معنيون بتنفيذ ما يصدر من أوامر رشيدة فتعصى، عادلة، فترفض ومعنيون بأمر آخر يتمثل بالامتناع والعصيان لما يصدر من أوامر غير رشيدة، وأحكام تقويم المعوج، مهما كان العوج، ومهما كان الأعوج (والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا).
مضى على أمتنا حين من الدهر كان الأمر فيه كذلك، يوم كان القائد قدوة وكان الجندي يؤدي عمله في السلم والحرب بطاعة مبصره، ونفس متوثبة لتحقيق النصر والأمن العام، واثقاً بالقيادة، غير مسلوب الإرادة..
ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر – رضي الله عنه – جيش منظم، مدرب، مهيأ مسلح بسلاح من الدولة، مسجل في سجلات، برواتب، ورتب، وإنما كان المؤمنون جنوداً، إذا دعا داعى الجهاد ندب الرسول الجميع، القرآن يوجه: "يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال"، "انفروا خفافاً وثقالاً". فما كان يتخلف غير أهل الأعذار والمنافقين، حتى جاء عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فكثرت الفتوحات واتسعت الدولة بعد تكسير كسرى وتقصير قيصر، فأصبحت الدولة الإسلامية أعظم دولة في الأرض وأرقى بدينها، وقيمها وأخلاقها، ووحدتها وعدلها.. وكثرت جبهات القتال، لا متابعة للفتح ورغبة في التوسع، فقد تمنى عمر أن بينه وبين بقية فلول فارس ومن خلفهم جبل من نار، لكنه احتاج لأن يحصن الثغور (نقاط الحدود) ويرفع الجاهزية في الداخل بالعدد والعُدد الثابتة فأنشأ معسكرات ثابتة في كثير من الولايات، لذلك قيل إنه أول من جند الأجناد، وزودها بالعدد الكافي من الجنود المفرغين لذلك، واشترى بما كان يفيض عن المال خيولاً وسلاحاً بالآلاف وزرعها على تلك المعسكرات وجعل لكل معسكر سجلاً يتضمن الأسماء، وتاريخ التجنيد، والرواتب والإجازات.. فقد كان عمر يعامل الجند كأنهم كلهم أبناءه.. كان ينهي القادة عن أن يقحموهم فيما يشق عليهم، وكان يأمر بتغذيتهم التغذية المناسبة، وكان يحرص على أن لا يغيب الجندي المزوج عن أهله أكثر من أربعة أشهر، وحين استأذنه معاوية رضي الله عنه بغزو الروم عن طريق البحر الأبيض المتوسط منعه وقال: والله لرأس جندي من جنود المسلمين أحب اليَّ من فتح الروم، لأن ركوب البحر في ذلك الحين كان مغامرة خطيرة.. هكذا كان القادة، وكان الجند، فخلف من بعدهم خلف أضاعوا تلك القيم وذلك الفهم والوعي، فصارت الجيوش لدى الحكام خدماً، وحولهم غنماً، يربونهم على الطاعة العمياء، وينزعون عنهم العزة والكبرياء، ليس لهم عدو غير شعوبهم، وحددوا لهم قضية واحدة خلقوا من أجلها هي جلالته، فخامته، عظمته، عبادته، فصاروا له وللحشم خدماً! فالقضية الواحدة هو، وهو هي! وبناءً على هذا الفهم السقيم والحكم العقيم، والبعد عن الطريق المستقيم سُخرت كل إمكانات الشعوب العربية المادية والبشرية لرجل واحد بتسبيح وتهليل، تزمير وتطيل، كذب وخداع وتضليل.. أمن سياسي أمن قومي (رئاسي) أمن مركزي (رئاسي) حرس ثوري وجمهوري (رئاسي) رئيس وزراء ووزراء خدم لا يستطيع أحدهم أن يخاطبه بغير (سيدي) ولا يتنصل عن تقبيل الرأس والكتف واليد! كلهم يحسبون أنهم بذلك يحبون صنعاء، فهم بذلك يحافظون على الشعوب والأوطان؟! حتى إذا أستيأس العقلاء الفضلاء الدعاة الوعاة الصادقون واحتاروا في هذا الأمر العصيب الغريب العجيب، وظنوا أن لا مخرج ولا فرج، أتاهم البشير من حيث لا يشعرون، بشير من هنا وهناك، بشير الوعي العام، وصحوة الكرام.
وانبرى العسكر تحت راية: الله أكبر
كان يأسنا من العسكر أكثر من غيرهم ولا نخفي ذلك، وقد ساهم الزبيري –رحمه الله – الذي كان ضحية العسكر في هذا الشهر، ساهم في فهمنا للعسكر ويأسنا منهم بقوله:
والعسكري بليد للأذى فطن كأن إبليس للطغيان رباه
ربما كان الزبيري معذوراً في ذلك فما كان يوجد من العسكر في عصره غير هذا النوع.
لكننا قد وجدنا لثورتنا في هذا العصر نوعاً غير ذلك النوع، وجدنا سيوفاً مسلولة ضد الطغيان، سُلت في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن، وفي سوريا أيضاً لو لا شيعة العالم، وبقايا الشيوعية لما ثبت بشار أكثر من زيد الفاسدين، ومبارك الممحوقين. وعسكر اليمن الذين أيدوا الثورة نصرة للمظلومين، وغضباً لشهداء الكرامة كانوا أرقى منزلة، وأهدى سبيلاً مما جعلني أخرج عن نظرية الزبيري بقولي:
والعسكري ذكي للهدى فطن كأن جبريل بالوحيين رباه
خذ مثلاً واضحاً تخطى بمعرفة هو ابن محسن ما أسمى سجاياه
وحوله ملأ أسود أشاوسة صانوا الكرامة، والمرجو هو الله.
وإلى بشرى أخرى..
د.غالب عبدالكافي القرشي
بشائر ......... 2210