ترى بعض الفلسفات الآسنة في أودية الحضارات المادية أنه لا فرق بين الجاني والشاهد إلا تلك اللحظة التي سبق فيها أحدهما الآخر إلى مسرح الجريمة، فأصبح الأول قاتلاً والآخر شاهداً على جريمة القتل تلك، حضارات غارقة في طقوس لا هوية عجيبة تجعل الصخر آلهة وتتخذ من الهواء والماء والنار أرباباً من دون الله الواحد القهار. أتساءل دائماً في نفسي عن تلك الهوة السحيقة في أنفسنا بين كوننا مادة وروح، ما ذلك الدفق الدفيء من المشاعر الذي يتغشى المرء فينا خلال ساعات النهار وفق وتيرة منتظمة في حضرة عقلٍ واعٍ وقلبٍ يغربل تلك المشاعر ويوجهها ويحسن إرشادها إلى مستقرها المكين؟!.. أي ديناميكية قاهرة تعيشها تلك الذبذبات أو السيلات العصبية أو أفواج الأحاسيس المرهفة حتى نعيش كل ليلةٍ أسرى لحلمٍ جميل تشهده أعيننا وتأبى أن تلمسه أيدينا؟!! أي روعةٍ تلك التي خلقنا بها على هذه الهيئة النظيمة؟!..
أشعر بالأسى يتملكني حين المس في شخصٍ ما جحوداً لأنعم الله عليه وأظل أبحث عن إجابة: هل يجب أن تكون هناك عصا تذكر هؤلاء أنهم عبيد للخالق البارئ المصور؟! في مجتمع فوضوي كمجتمعنا اليمني أشعر أن قانوناً صارماً يجب أن يعم كل دوائر ومؤسسات ومرافق الدولة الحكومية أو الخاصة لتعيد لهذا المخلوق إنسانيته الحقيقية لأنه في ظل هكذا فوضى أخلاقية ضاعت الكثير من المبادئ والقيم الروحية والجسدية أيضاً وسادت غرائز حيوانية أظهرت الإنسان اليمني أو بعض الإنسان اليمني بأذنين كبيرتين أو ذيل طويل أو مخالب مفترسة أو جسد تكسوه الحراشف..! هل عدنا لذلك الزمن الغابر الذي كان يعيشه الإنسان قبل نزول الديانات؟! هل نسينا كل الشرائع التي انسنت هذا المخلوق ورفعته إلى مصاف الملائكة ووضعته في حالة اختبار في آخرها جنة أو نار؟! ما الذي حدث حتى تعم مجتمعنا هذه الفوضى الأخلاقية، وبينما يغرق البعض في دمائهم فداءً لهذا الوطن يغرق آخرون في غرائزهم وهم يحومون حول الحمى حتى يقعون فيه؟ هل وضعتنا الأحداث على محك إنسانيتنا وأنفقنا كل مشاعرنا في صرخة خوف أو خطوة رهبة أو تلويحة ألم؟! ماذا بقي بعد؟! هل بقي أن تصبح منازلنا كهوفاً وأن نعيش على طريقة (فلينستون) العصر الحجري أو على طريقة (ماوكلي) فتى الأدغال؟!!
يجب أن نبتلع هذه الحيرة وهذا الغموض وأن لا نقف أمام هذا التدهور الأخلاقي بصمت لأن الأمم إنما تسامق النجوم بأخلاقها وقيمها ولا ننسى أن أساس قيام الحضارات هي الفضيلة وأما الرذيلة فهي آفة الحضارة ومعول الهدم الذي يحطم المجتمعات عن بكرة أبيها..
لسنا بحاجة إلى عصا تمسكها الدولة ليسير القطيع بهدوء وصمت وإنما نحن فقط بحاجة لوجود الوازع وإيقاظ الضمير من غفلته، أدوارنا ليست بحاجة إلى التبديل وأرباب الفضيلة يجب أن لا يتركوا منابرهم، وحتى أصحاب المدن الفاضلة كالكتاب والفلاسفة والمبدعين يجب أن يستمروا في الدعوة إلى مجتمع أخلاقي راقي خاصة بعد أن ثقب العنف جدار عاداتنا وتقاليدنا وأعرافنا الاجتماعية وسمح لجراثيم الرذيلة وميكروبات السوء بالدخول إلى جسدنا الأخلاقي الموحد..
ألطاف الأهدل
لا تشتري العبد إلا والعصا معهُ 2937