ثمة مفردات بالحياة تسكن تعريفاتها القواميس، وتسود مناقضاتها وجوه معاملات البشر؛ لذا كان من اللازم للمرء أن يعرف الفرق بين المفردات معنى، لا لفظاً ويتعلم كيف يفصل بين المعايير..
فأنا هنا أكتب لأوضح للقارئ ماهية الاختلافات بين لفظين اختلطت موازينهما حتى اشتبهت الصفات، إنهما لفظا الجرأة والوقاحة..أصبح الأغلبية يرون الجرأة وقاحة ويرون الثانية جرأة؛ لذا فالفصل بين المفاهيم الأساسية للتعابير مهم جداً حتى لا تكون الرؤية معتمة نحو الآخرين..
الجرأة وكما عرّفها الدكتور/ عمر الفاروق عامةً هي: تعبير عن شخصية قوية يمكنها القيام بسلوكيات، فيها إقدام دون خوف من أحد, والناس أيضاً يرون الجرأة هي القدرة على فعل شيء، دون خجل من الناس، وبشكل مختلف عن الآخرين، أما كسلوك فهو يُعبر عن شخص واثق من نفسه، ولديه روح الإقدام والمبادرة الشجاعة، ولكنّ هناك شيئا ما يفصل بين وجه الجرأة ووجه الوقاحة التي ترتدي ملامح الجرأة، فالجرأة بمفهومها النفسي تفصل بين المفردين كيف ذلك!؟ سأخبركم بالتأكيد..
الجرأة نفسياً تتجلى للتعبير عن طاقة الشجاعة داخل الفرد؛ تحقيقاً لهدف ما دون الإضرار بالنفس أو الآخرين، وليس معناه الاعتداء على حقوق الغير ولا أخذ ما ليس حقاً للجريء في سلوكه..
ولأن الأغلبية العظمى يخلطون بين المفهومين فسأفصلهما بعدة نقاط:
أولاً- الجرأة تعبير عن الإقدام والشجاعة داخل الشخص، بينما الوقاحة هي تعبير عن عدم التمتع بالخُلق والأدب العام..
ثانياً- الجرأة إيجابية مثابرة، ومؤثرة أما الوقاحة فهي سلبية هدامة..أما ثالثاً : وهو الأهم أن الجرأة نافعة للنفس وللآخرين، بينما الوقاحة ضارة بالآخرين وتعطي انطباعا سيئا، وضارا للشخص الذي يسير عليها..
ولا ننسى أن الوقاحة ببساطة ما هي إلا شجاعة مصطنعة تقوم أساساً على الفضولية وتصيد الأخطاء..
لقد أصبحنا في زمن نُطلق فيه وصف الجرأة على تصرفات وقحة، ولي في هذا الموضوع موقف مع أحد الزملاء حين بادرني يوماً بالنُصح بعدما عرض علي فكرة موضوع يكاد يكون (وقحاً)؛ كي أكتب عنه فرفضت الكتابة والنقاش حوله فقال: " أنتِ صحفية والصحفية ضروري تكون جريئة "، حينها وبابتسامة مموهة أردتُ أن أُفهمه أن هناك فرقاً شاسعاً بين الجرأة والوقاحة، ولعل الخيط الرفيع الذي يفصل بينهما قد انقطع بسبب اللامبالاة وانعدام التفكير بالعواقب، وهذا ما ينطبق فعلاً على وجهة نظره نحو مهنة الصحافة..
ثمة شيء آخر ينبغي التطرق إليه، وهو أن ليس كل جريء وقحاً، بينما كل وقح جريء، وليس هناك مبرر لربط أي صفة بأي مهنة إلا بمقاييس الصفة المتفق عليها..فالمرأة مثلاً يصف البعض جرأتها بالوقاحة أحياناً، وأحياناً تكن محط إعجابهم، ومع ذلك ينبغي عليها عدم تخطي الخطوط الحمراء للجرأة، ولا تنزع لباس الحياء من تصرفاتها حتى لا يُساء فهمها..
أخيراً علينا أن نفرض أنفسنا كَكَتّاب نتميز بجرأة تُعطينا الأفضلية لكسب ثقة الآخرين، ولكن شرط ألا تصل بنا إلى درجة الوقاحة..
أحلام المقالح
للجرأة خطوط حمراء ! 1873