يرجع الأصل اللغوي للتربية إلى عدة معان، منها النمو والاكتمال والرعاية والزيادة، وهذه المعاني اللغوية في جملتها هي المقصودة بالتربية في الجانب الاصطلاحي، فالتربية تعني بلوغ الكمال شيئاً فشيئاً، أي أن النمو يأخذ صفة التدرج ويزيد شيئاً فشيئاً، ويحتاج إلى الرعاية حتى يقوى على الاستمرار في النمو، ليبلغ الاكتمال المرغوب دون انحراف.
يقول بعض المتخصصين: لكي نعرف التربية في مفهومها العام نرجع إلى تعريف نقله الأستاذ أبو الحسن الندوي من عالم التربية المعروف جون ديوي ودائرة المعارف الإسلامية يقول فيه: إن التربية ليست إلا وسيلة راقية وهذبة لدعم العقيدة التي يؤمن بها شعب أو بلد، وتغذيتها بالاقتناع الفكري القائم على الثقة والاعتزاز، وتسليحها بالدلائل العلمية إذا احتيج لها، ووسيلة كريمة لتخليد هذه العقيدة، ونقلها سليمة إلى الأجيال القادمة، وإن أفضل تفسير لنظام التربية هي أنها السعي الحثيث المتواصل الذي يقوم به الآباء والمربون لتنشئة أبنائهم على العقيدة التي يؤمنون بها، والنظرة التي ينظرون بها إلى الكون والحياة، وتربيتهم تربية تمكنهم من أن يكونوا ورثة صالحين للتراث الذي ورثه هؤلاء الآباء عن أجدادهم مع الصلاحية الكافية للتقدم والتوسع في هذه الثروة".
كما يعنى بها أيضاً: كل المؤثرات الموجهة التي يراد منها صوغ كيان الإنسان، وتهدي سلوكه في كل نواحي الحياة جسدية كانت أم عاطفية أم اجتماعية أم فكرية أو فنية أم أخلاقية أم روحية، فالتربية تشتمل كل المنظمات والعوامل والأساليب والطرق التي تدخل في نطاق الفعاليات التهذيبية.
وعلى هذا فالتربية هي وسيلة المجتمع لأداء هذه المهمة، وهي نقل الثقافة ودعم العقيدة، وإرساء مثلها وقيمها في النشء، وعن طريق التربية تصوغ الجماعة أفرادها وتوجه سلوكهم وأخلاقهم وفق الأهداف التي يسعى إليها المجتمع ويبني عليها نظامه التعليمي، وفق الفلسفة التي تسود المجتمع، فلكل مجتمع منطلقاته وفلسفاته ونحن مسلمون، فمنطلقاتنا كلها تحكمها هذه الحقيقة أننا مسلمون.. وهذا ما غفلت عنه الأمة المسلمة حين اجتاحتها موجات الغزو الثقافي الغربي والذي اتخذ أسلوب التربية منهجاً، وأداة التعليم طريقاً يهدم به التربية الإسلامية والوطنية في بلاد المسلمين.
ينقل بعض علماء التربية عن المفكر الإسلامي الكبير العلامة أبي الأعلى المودودي قوله: العلوم والفنون الإسلامية تدرس عندنا على نحو ترتسم فيه مبادئها ونظرياتها على الألواح الصافية الساذجة من قلوب النشء المسلِّم كحقائق إيجابية لا ترد، وتنصاغ عقليتهم كلها في القالب الغربي، بحيث يعودون ينظرون إلى بعين الغرب ويفكرون بذهن الغرب، ويغلبهم الاعتقاد بأنه إن كان في هذا العالم شيء مقبول محترم فهو الذي يطابق مبادئ الحكمة الغربية وأصولها، وهذا التأثير والانفعال تقويه بعد ذلك تلك التربية التي يجري عليها العمل في جامعاتنا فعلاً.. وهذا لا يعني عدم الانتفاع بتجارب الآخرين في التربية، ولكن في إطار نأخذ ما نحتاج ويتوافق مع ديننا ولا يخالف شريعتنا ويمكننا من النهوض بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية.
لقد كان التعليم هو الخنجر المسموم الذي طُعن به المسلمون وما زالت الأمة المسلمة تعاني من موروث الغزو الغربي بأفكاره ومبادئه التي تتدفق على بلاد المسلمين، ولكن الغرب يحجب عن المسلمين كل نافع مفيد في التكنولوجيا والتصنيع وامتلاك آليات النهوض الحضاري.
د. محمد عبدالله الحاوري
التربية الباب الأوسع لبناء الأوطان.. ما المقصود بالتربية؟! 2699