بعيدة هي المسافة التي تفصل بين الثورة وبين الأهداف المنشودة منها، ولكن لا يعني ذلك وقوف الحكومة على أرضية من الثلج تستمد برودتها مما اصطلح عليه اتفاق وصلت بموجبه إلى قيادة المرحلة.
فالحكومة معنية بالمقام الأول بالتحرك وبجدية مفرطة نحو تحقيق أهداف الثورة ومطالب الشباب الذين لا يزالون يمكثون في خيام رسمت ملامح المستقبل الذي يحلمون به لوطنهم ولا تزال الساحات تحتضن العديد من علامات الاستفهام التي لم تلح لها بالآفاق أي ملامح مجدية، تمكن الشباب من استقبالها بالرضا الثوري، فسير الحكومة نحو المستقبل ببطء أفضل من أن تظل في متاهات الحيرة التي تفتقد فيها إلى مشروع أو برنامج عمل سنوي أو نصف سنوي تسير عليه نحو ملامح واضحة وأرقام معقولة يمكن تحقيق منها نسبة قلت أو كثرت بدلاً من أن تصل إلى حالة من العنوسة التي أصابت سابقتها وخرجت بمقتضاها بدوامة من الخمسيات اللامنتهية والمرسومة بعقم الإنتاج.
الفشل الفاضح الذي ظل يلاحق الحكومات السابقة قد يجد لنفسه طريقاً إلى حكومات الوفاق، خصوصاً أنه لا يزال يمتلك أصدقاء ومعاريف يمكنهم من استضافته على أرضية خصبه من الفساد الجامح في مؤسسات ووزارات الدولة.
بيد أن التماس الأعذار لما قد يوقع الحكومة في وحل الركود والعجز أمر مرفوض وليس أمامها خيار سوى العمل المثمر، بعيداً عن القصائد المشؤومة التي اعتدنا سماعها كفواصل إعلامية بين كل مرحلتين متتاليتين أو مقدمات باردة تسبق أعاصير الجرعات التي قاتلت الشعب وشلت أطرافه وتحول بعدها إلى كسيح بأيدي مستنفذين يقدمونه للعالم كوسيلة للتسول يسخر منه الأشقاء والأصدقاء.
فالمناصفة ليست عذراً قد يثني الحكومة عما يتوجب عليها عمله أو عذراً تعلق عليه الحكومة أسباب تردي إنتاجيتها أو تعلل به عجزها، وإذا كان هناك مانع من ضوابط واشتراطات قد تعيق حركتها، فعليها أن تخرج من الصمت إلى الصراحة ومن الضعف إلى القوة ومن الجمود إلى الحركة، فهناك ملايين مترقبون لأداء عملها، فستجد فيهم القوة التي تستطيع المضي بها قدماً لتحقيق ما تتطلع إليه إذا كانت تمتلك رؤية للتغيير فعلاً وإذا كانت لا تزال تتذكر طموح الشباب التي رسمت ملامح مستقبل مشرق ليمن المؤسسات والدولة المدنية وعليها أن تستمد من الميادين التي سكنت بتسلمها قيادة المرحلة طاقتها ووقودها بدلاً من أن تغض الطرف عنها على حالة من الريبة أو الاستحياء.
 وأخيراً تحية إجلال لكل أولئك الذين تحملوا الجزء الأكبر من عبء التغيير وكانوا بوادر الأمل الذي لفت انتباه التاريخ الجامد واستطاعوا بإرادة التغيير الجبارة أن ينزلوا المستحيل إلى إطار الممكن الذي تمكن به الشباب من إعادة النظر في واقعهم وعرض رؤيتهم للعالم الذي لم يجد بداً من الإيمان بمعتقداتهم ومباركة ثورتهم.