ما إن يتردد صدى هذه الأحرف على آذاننا حتى يغمرنا السلام وتحتضن أرواحنا الطمأنينة والسكينة والوئام.. لما لا و"ياسين" يمثل "جوهرة السياسة وشوكة الميزان" حين يشتد الخصام.
هو ياسين إذن من يتردد على رأس كل قرن من ألف عام حين تشتد الأعاصير والعواصف تجده ممسكاً بالشراع وبالدفة على الدوام، مصارعاً الرياح والأمواج العاتية بكل حنكة واقتدار واهتمام، فهو ربان وبحار سقلته التجارب العظيمة التي مرت عليه وكان نعم الرجل المسؤول ونعم المفكر على مر الأيام.
حين دبر علي صالح مكيدة وفتنة 13 يناير 1986م كما أكد ذلك القائد المسؤول الشجاع علي محسن، وحدث ما حدث في تلك الأيام انبرى على المشهد رجل لم نسمع به كثيراً إن لم يكن نهائياً، هذا الرجل استطاع أن يلملم الجراح ويضمدها، أن يعيد البسمة والطمأنينة لشعبه بعد كارثة قلما تحدث عبر التاريخ، لأنها حقاً كانت من اختراعات عمنا الراحل "علي صالح"، حيث في أسبوع واحد تجاوز عدد القتلى الآلاف، فتخيل أخي القارئ كيف ومن أين لمسؤول تنفيذي "رئيس وزراء" القدرة والشجاعة ورباطة الجأش حتى يستطيع أن يعبر بالبلد إلى شاطئ الأمان بعد كل تلك الأحداث؟!
ألست معي سيدي القارئ في أن من يتولى ذلك ليس بالرجل العادي؟!.
لقد كان برداً وسلاماً وأماناً على شعبه، إنه "ياسين سعيد نعمان".. بعد إعلان الوحدة كان هذا الرجل رئيساً لمجلس النواب، فكان نعم الرجل المسؤول وفي المكان المناسب، فالغالبية الساحقة "إن لم يكن جميعهم" من اليمنيين تعرفوا على هذا الرجل من خلال إدارته لجلسات المجلس وذلك عبر البث المباشر للجلسات، ومن ذلك الحين ترسخت لديهم قناعات ومسلمات بأن الرجل يعد باكورة السياسة والأدب والفكر في اليمن إن لم يكن على مستوى أكثر اتساعاً "عالمي".
جاءت حرب 94م وحلت الكارثة بجنوب الوطن، فاختفى الرجل كغيره من الشرفاء خارج الوطن لعدة سنوات ولكن إرادة الله أبت إلا أن يعود هذا الطود الشامخ للتلاحم مع إخوانه الشرفاء سواءً في اللقاء المشترك أم خارجه، ليصلوا بالوطن إلى بر الأمان بعد تخليصه من أيدي تلك الفئة العابثة به منذ أكثر من ثلاثة عقود وتمت إرادة الله.
لا يختلف اثنان في أن الرجل منذ عاد من الخارج استلم الأمانة العامة للحزب الاشتراكي، استطاع أن يعيد لهذا الحزب حضوره وتأثيره بشكل أفضل بكثير مما سبق، حتى عندما كان هذا الحزب في السلطة فقد استطاع د. ياسين مع رفاقه أن يجعل حزبه في طليعة الأحزاب المدنية في الوطن وهذا لا ينكره إلا جاحد هذا من ناحية.. من ناحية أخرى في إطار اللقاء المشترك، كلنا شاهدنا هذا الائتلاف منذ نشأته وكيف كانت أطروحاته وتعليقاته وتفاعلاته مع الأزمات التي كان يفتعلها صالح، إلا أنه وللأمانة منذ عودة د. ياسين وتسلمه لقيادة المشترك عدة مرات مكننا من ملاحظة الشخصية الجديدة التي بدأت بالبروز لهذا الائتلاف وذلك من خلال الآتي:
أولاً إعلامياً: بدأ الرجل في اتخاذ موقف مغاير لما كان في السابق من الجانب الإعلامي، حيث وجه وسائل إعلام حزبه أولاً ومن ثم وسائل إعلام بقية أعضاء ائتلاف المشترك وذلك باتخاذ مواقف أكثر رشداً وكياسة وواقعية في التعاطي مع الغير بعيداً عن تلك اللغة الجافة، الحادة، التي لا يستفيد منها إلا عصابة الحكم وعلى الرغم من أن وسائل إعلام المشترك كافة لا تقارن بما يمتكله إعلام السلطة إلا أنه كان للرجل ما أراد.
ثانياً سياسياً: لا يستطيع أحد أن ينكر كيف كانت سياسة المشترك قبل مجيء د. ياسين، صحيح أن هناك كفاءات لا نقلل من شأنها ولكن الواقع شيء آخر، فالمشترك بدأ يلعب بالشكل الذي أزعج السلطة وأخافها، وبدأت تحسب له ألف حساب بعكس ما كان في السابق، حيث كانت السلطة قد وضعت قوالب معينة لأحزاب المشترك، فهذا انفصالي وهذا رجعي، وهذا أصولي...إلخ، وكان المشترك للأسف لا يتعاطى بالشكل المطلوب مع هذه القوالب التي وضعت له، بل بالعكس كان البعض أحياناً يؤكدها ولكن هذا الرجل "ياسين" بحنكته وثقافته قلب الطاولة رأساً على عقب وبدأت الصورة تتغير عن المشترك عند الناس وبدأوا يثقون في هذا الائتلاف وبدأت الفعاليات والضغط بأسلوب حكيم على عصابة الحكم من قبل المشترك واستطاعوا أن يقدموا أنفسهم بأنهم الأفضل ولهذا استجاب لهم الناس.
من خلال ما سبق أستطيع أن أؤكد أن حب الناس لهذا الشخص ليس من فراغ ولكنه من ممارسة ومتابعة طويلة لهذه الشخصية الوطنية العظيمة التي غدت مقالاته التي يكتبها ومقابلاته وتصريحاته تكاد تكون هي الهم الأول للمواطن أياً كان، فلقد انتهت لغة الاستقطاب والفرز وأصبح الناس ينظرون ويتابعون الحكمة والعقل والمنطق أينما وجد بعيداً عن التجاذبات السابقة وهذا الرجل أكثر الناس إسهاماً في نشر روح التسامح والتخاطب "بالتي هي أحسن" بين الجميع ومن هذا المنطلق صار الرجل مرجعاً للناس، "وثابت" تقاس الأمور من خلاله "سلباً أم إيجاباً".. هذا لا يعني أن البلد خالية من الحكماء السياسيين الناضجين، لا والله ما هذا قصدت ولكني وجدت من خلال الناس أن الرجل حقاً هو في طليعة الكوكبة المضيئة في هذا الوطن، فالرجل أكبر من أن يختزل في وطن محدد، فالإنسانية وطنه، فهو مفكر عالمي وسياسي لا يتكرر على المدى المنظور.
منير علوان
ياسين.. ..... 2082