إن مصيبة الإسلام والمسلمين تأتي من بابين يصدر عنهما الإساءة لهذا الدين العظيم, منها بروز تنظيمات في العالم العربي والإسلامي تطلق على نفسها مسميات مختلفة, وذات طابع إسلامي وتسعى من خلال ذلك إلى الوصول للسلطة, وتقوم بتكفير الحكام المسلمين, وأجازت من ناحية أخرى الخروج على الحاكم المسلم.
وتنطلق هذا الجماعات في محاربتها لأنظمتها من قاعدة تقول: إن محاربة الدول الإسلامية أولى من محاربة الدول الكافرة كفراً أصلياً لان الدول الإسلامية مرتدة على حسب اعتقاد هذا الجماعات, والمرتد مقدم في المحاربة على الكافر, وهذه القاعدة كما يراه أهل العلم هي قاعدة الخوارج الذين يقتلون المسلمين ويدعون الكافرين وهي باطلة, فهذه الجماعات والأشخاص ترتكب أعمالاً باسم الإسلام والمسلمين يدعون أنها من الإسلام وأن الإسلام يأمر بها, ينزلون نصوص الشرع على غير وقائعها ويفسرونها وفق أهوائهم، فيقتلون الأبرياء وينهبون الأموال ويتلفون الممتلكات العامة والخاصة انتقاماً من أشخاص, والإسلام بريء من أفعالهم, فالإسلام لا يؤاخذ أحداً بجريمة غيره يقول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يجني جان إلا على نفسه)، بل إن الإسلام حتى في حال الحرب مع الأعداء, أخذ جانب الإحسان, ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية أو جيشاً قال: اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً"، ويقول لأميرهم :"إذا أنت حاصرت حصناً أو أهل قرية فادعهم إلى ثلاث، أن يدخلوا الإسلام أو يعطوا الجزية أو تقاتلهم".
فإن ما يقوله أولئك المعتدون باسم الإسلام إساءة للإسلام والمسلمين وإظهار الإسلام بغير حقيقته، إظهاره بأنه دين ظلم وعدوان ورعب وغدر وإرهاب, في حين أن الإسلام دين حق وعدل وحكمة ورحمة، فهو خير لأهله ولغيرهم.
وأولئك بتفريطهم لقواعد الشرع فقدوا الأمن، فأحدثوا الخوف لأنفسهم ولغيرهم من المسلمين، وهم بذلك يهيئون الطريق لأمم الكفر للتكالب ضد الإسلام والمسلمين، وما يقع فيه أولئك أو غيرهم من أخطاء ينحرفون من خلالها عن طريق الشرع القويم هو نتيجة لعدة عوامل، بعضها تزيين تلك الأفعال من قبل أعداء الإسلام وبعضها عوامل شخصية تعود للأشخاص أنفسهم، ولكن ما يهمنا من هذه العوامل أمران: الأول التربية وأن نهتم بتنشئة أولادنا وشبابنا في المنزل والمدرسة والمسجد والشارع تنشئة قوامها الدين الصحيح دون تعصب أو حمية جاهلية, والأمر الثاني أن يقوم كل من جانبه ببيان حقيقة الإسلام وإيضاح أصوله وقواعده وصلاحيته لكل زمان ومكان، وما يعيشه كثير من تلك الجماعات الإسلامية ليس ابتلاء بقدر ما هو عقوبة من الله، لأن الابتلاء يعقبه النصر كما هو معلوم، فأين انتصار الحق عند هؤلاء وقد شوهت صورته بسببهم؟، وقد قتل أسامه بن زيد رضي الله عنهما رجلاً من المشركين بعد أن نطق هذا بكلمة الإسلام (الشهادتين)؟ وهو في المعركة هذا في حق مشرك، فكيف إذا حارب المسلمين بسيفه وقاتلهم؟, فكيف بقتل مسلم قد يكون مصلياً مزكياً صواماً كل ذنبه أنه شرطي أو عسكري، وإلا كيف يقدم مسلم على قتل مسلم بغير حق والله يقول: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم) ويقول عليه الصلاة والسلام (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)؟، فكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) حرمة عظيمة, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقف عن قتل قوم من المنافقين استحقوا القتل من أجل هذه الكلمة، فكيف بمسلم؟ أين هؤلاء ممن يسمون أنفسهم بأنصار الشريعة وبالمجاهدين الذين يقومون بقتل الأبرياء وترويع الآمنين وتخطوا حدود الشرع المطهر وتجاوزوا الأخلاق وتجردوا من الإنسانية بفعلهم هذا؟, فأنا استبعد أن يكون هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بـ(أنصار الشريعة) من المجاهدين أو حتى من المسلمين، وإنما هم من المتزينين بزي الإسلام ويريدون أن يشوهوا نصاعة الإسلام ونقاوته بأن ينسبوا إليه أفعالاً، الإسلام والمسلمون حقاً هم براء (أبرياء) مما ينسب إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب عليهم السلام، فجهاد هؤلاء السفهاء ليس بجهاد ومسألة الجهاد ليس مسألة سهلة بهذه السهولة، ونحن لا ننكر مشروعية الجهاد والقتال في سبيل الله.
وقد كانت لهذه الأمة أمجاد وضربت بها المثل الأعلى في التضحية في سبيل الله، إلا أن قتال المسلم للمسلم ليس بجهاد ولا كرامة كما يدعي هؤلاء المغرر بهم الذين سفكوا دماء الأبرياء وشردوا أهل أبين من ديارهم، فقد دخلنا فتنة طال فيها الأمد، فاستحال أمن البلاد إلى رعب وعمرانها إلى خراب بسبب أفعال هؤلاء، فكيف يقدم مسلم على ترويع الآمنين والرسول عليه الصلاة والسلام: يقول (لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً)؟ ونصيحتي لإخواننا الذين حملوا السلاح ويحملونه الآن أن يضعوا السلاح ويدخلوا في السلم والتوبة إلى الله تبارك وتعالى، فقد لا تسلمون من المسوؤلية أمام الله من الدماء التي أبيحت ومن في الأموال التي سلبت ونهبت إن استمريتم في هذا الطريق المظلم، فبالأمر والنهي يصلح المجتمع ويقوم الغرض الكفائي الذي يسقط التبعة والإثم عن بقية المجتمع وإلا تحقق فينا قول الباري جل شأنه (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)، ولم يقل وأهلها صالحون، فإن مجرد الصلاح ليس كفيلاً في النجاة من العقوبة الإلهية الرادعة كما قال أهل العلم في هذه الآية الكريمة.. نسأل الله أن يهديهم جميعاً إلى سواء الصراط.
aonalbhri@hotmail.com
عبدالله عمر البحري
الخوارج وحقيقة الإسلام 1916