المحاكم مشلولة ومغلقة.. قالوا القضاة وأعضاء النيابة وكل الذين لهم علاقة بالقضاء مضربون بدعوى أنهم يطالبون بحقوقهم المسلوبة ورواتبهم وعلاواتهم المنقوصة والقليلة.. وقد يشكل هذا الأمر فرقاً وقد لا يشكل فرقاً في الحياة العامة وفي الحفاظ على حقوق الناس أو في رفع الظلم, أو في مكافحة الفساد.. لماذا؟ لأن المحاكم وهي مفتوحة على مصراعيها ويعمل كل من فيها بطاقتهم الكاملة، وإن كان أكثرهم عملاً يقوم بعمله أثناء المقيل وجلسات القات مع ما في ذلك من فوائد تعود عليه لا نود التكلم عنها فالحليم تكفيه الإشارة.. لم تكن حقوق الناس محفوظة بفعل عدل القضاء, والقضاة ولم تكن أموالهم أكثر أمناً, ولا دماؤهم حتى في أكثر الأوقات هدوءاً, واستقراراً, وأكثر القضايا أو معظمها, وأهمها على طول البلاد, وعرضها تجاوز عمرها في التقاضي عمر صاحبها وربما عجلت تلك القضايا بموت أصحابها حين سببت لهم السكري والضغط, وأدت ببعضهم إلى الوفاة أو الشلل, وذهب صاحبها إلى القبر أو جلس على الكرسي المتحرك وقضيته تراوح مكانها نزولاً, وصعوداً, وجلسات في أروقة المحاكم..
إذاً ما الذي ينتظره المواطن من قضاء يلهث أصحابه وراء المال مبتعدين عن الأمانة التي حملوها والتي تنوء بحملها الجبال؟ سواء أضرب القضاة أم لم يضربوا فالحال بالنسبة للمواطن أو المظلوم, أو الباحث عن الحق, والعدل لا يختلف لا قبل الإضراب ولا أثناءه أو بعده.
القضاء الذي يعتبر أعضاؤه الأفضل حالاً, وربما الأكثر رواتباً ودخلاً مقارنة بموظفي مختلف القطاعات الحكومية.. يضرب فيه الموظفون, والقضاة مطالبين بتحسين دخلهم, ورواتبهم ولا ندري هل من حقهم بعد كل الامتيازات الممنوحة لهم أن يُضربوا ليزيدوا الطين بلة؟.. أم أنه من حق المواطنين أن يضربوا ويعتصموا ليطالبوا بالعدالة والإنصاف.. تلك العدالة التي تقتضي محاسبة الكثيرين ممن ينتمون للمؤسسة القضائية, والنيابة العامة, ومحاكمتهم بتهم الفساد والتباطؤ والتلكؤ في حلحلة مشاكل الناس وقضاياهم وعدم البت فيها وحسمها..
القضاء بحاجة إلى الإصلاح والتنقيح والفرز والتقييم أكثر من أي مؤسسة أخرى، نتيجة ما أحدثه الفساد من خلخلة وعدم اتزان في هذه المؤسسة الهامة..
القضاء يحتاج لإعادة النظر وإخضاع كل من فيه لشروط وقوانين يخضع لها الجميع ومن خلالها يتم تقييم الكفاءة والقدرة والنزاهة والشرف والأمانة والدين.. وإبعاد كل من لا تنطبق عليه الشروط خارج القضاء، حتى لا يظل فيروساً ينشر سمومه وسط هذه البيئة..
نحن في وطن نشعر فيه بغياب العدالة, وانتشار الجور والظلم والرشوة والفساد وقد يكون على رأس الأسباب عدم وجود قضاء عادل..
نحن في وطن لم تبق فيه مؤسسة نستطيع أن نفخر أو تتفاخر بها ونقول إنها خالية أو بعيدة عن الفساد وعلى رأس هذه المؤسسة أو من ضمنها القضاء بكل أسف.. كم كنا نتمنى أن يبقى القضاء مؤسسة حصينة كما هو عليه الحال في مصر أو باكستان أو أي من هذه البلدان التي بقي فيها القضاء قلعة شامخة, ومؤسسة منيعة صامدة في وجه الفساد والمفسدين، تقارع النظام الفاسد وتلغي قراراته, وتدافع عن أعضائها وكل من ينتمي إليها.. ولهذا بقي القضاء مفخرة لا يستطيع أحد التشكيك في نزاهته أو النيل منه أو الانتقاص من هيبته واحترامه..
ونتساءل أخيراً: ما هو الموقف الذي سجله القضاء في اليمن بوجه قراراً أو قضية فساد؟ وما هو دورهم في بلاد غرقت حتى الثمالة في الفساد بكل أشكاله؟..فقط المنجز الوحيد الإضراب عن العمل, والمطالبة بالحقوق، بينما الشعب يتساءل عن الواجبات ويبحث عن تطهير المؤسسات..
علي الربيعي
لماذا يضرب القضاة؟ 1775