بعيداً عن أنصار الشريعة وأنصار الشرعية, بعيداً عن الثوار والبلاطجة, بعيداً عن ساحات التغيير وساحات التغرير, بعيداً عن الرئيس السابق, بعيداً عن النظام وبقايا النظام, بعيداً عن المشترك وشركائه والمؤتمر وحلفائه, بعيداً عن الشباب المستقل والحزبي, بعيداً عن الجزيرة وسهيل والعربية, واليمن وقناة اليمن اليوم.. باختصار بعيداً عن السياسة وخيرها وشرها وايجابياتها وسلبياتها , بعيداً عن هذا كله قررت أن أعيش ساعة ونصف لمشاهدة مباراة الكلاسيكو (برشلونة وريال مدريد) هي المرة الأولى التي أشاهد فيها هذه المباراة, بعد أن كنت قد انقطعت واعتزلت عن مشاهدة مباريات كرة القدم لفترة من الزمن , لكني قررت أن أخرج من دائرة سلاح الطيران التي ينهبها المقال الأحمر, إلى دائرة السلاح والصواريخ التي يطلقها ميسي ورونالدو .
منذ الصباح الباكر والشباب يتجمعون وكل يهمس في أذن الآخر ما الذي ستؤول إليه نتيجة المباراة , تناولت الغداء مع بعض الشباب وهم يتحدثون عن المباراة, فلا وقت لأكل الرز دون الحديث عن الكلاسيكو, ولا مجال لشرب الشاي دون الحديث عن ميسي ورونالدوا ومورينيو وكاسياس .
قبل المباراة بساعات قرر أبو الفضل أن يمضغ القات , كون هذه المباراة لا تحتاج إلى مشاهدة فقط، بل يحتاج معها إلى تكييف أو(رنة) كما يحلو للبعض تسميتها, رأيته وعلبة الماء (بلادي) من النوع الكبير قد حملها على كتفه, كون متعة المباراة تجعل المشاهد يشرب من الماء الكثير, تناول الشباب العشاء سريعاً, وبعضهم لم يتناول العشاء كونه لا يزال مخزناً منتظراً للمباراة من بعد صلاة الظهر, وكان من حسن حظ الشباب هو أن الكهرباء أضاءت وعادت لها عافيتها قبل انطلاق المباراة بحوالي نصف ساعة, وقتها تنفس الشباب الصعداء .
وفي المكان الذي دعاني الشباب لمشاهدة المباراة هناك, وصلت وقد أخذ الشباب كل موقعه, وما إن بدأت اللقاء حتى سكت الجميع (فلا تسمع إلا همساً) لم يعد مجال للحديث, كنت أنظر باتجاه صديقي رياض والعرق يتصبب من على وجهه يشرب الماء البارد والديلسي وهو في قمة المتعة لمشاهدة المباراة, الوقت يمر سريعاً, ولا صوت يعلو فوق صوت المعلق/ عصام الشوالي, الذي يمتع المشاهدين بصوته ولغته الأدبية الرفيعة التي تعطي لمشاهدة المباراة طعماً آخر .
لم يستطع أبو الفضل الصبر وهو يرى فريقه الريال يسجل على غريمه برشلونة, حتى قام يرقص رقصة الفرح على هذا الهدف (رقصه السامبا) على حد قولهم, رياض استمتع كثيراً بعد تسجيل الهدف, كنت أرقب عن يميني والباهلي لا يتكلم ينظر فقط باتجاه زميله بكري الذي يشجع معه نفس الفريق, وكل يشاطر الآخر الحزن لكنهما لم يفقدا الأمل.
نظرت إلى الشارع فوجدته شبه فارغ من المارة, فالكل يشاهدون المباراة يستمتعون بصوت الشوالي وهو يقول (الشعب يريد إسقاط الأسبان)، كونهم قد احتكروا جماهير المشجعين في العالم لمشاهدة فريقي البرشا والريال, وعندما سمعت الشوالي المعلق يقول الشعب يريد: تذكرت حينها الثورة و(حمود الكامل) وصوته يجلجل في المسيرات بالشعار المقارب لشعار الشوالي وهو الشعب يريد إسقاط النظام .
بكري والباهلي قاما يتصافحان أثناء تسجيل فريقهم البرشا هدف التعادل, بل إني خشيت على بكري لأنه قفز قفزة غير عادية عند تسجيل فريقه البرشا الهدف، فخشيت عليه أن يصطدم رأسه بالسطح كونه يتمتع بطول القامة, ولكن الحمد لله مشت الأمور على خير , لكن فرحتهم لم يمض عليها وقت كبير حتى رأيت رياض وأبو الفضل ومن بينهما عزيز صاحب الجسم النحيل الذي كان يتفتت جسمه كبسكويت أبو ولد من الفرح عقب تسجيل رونالدو هدف الفوز .
أطلق الحكم صافرة النهاية, قام رياض وعزيز وأبو الفضل يصافحان بكري والباهلي, ويتصافحان معاً بحرارة شديدة, سألت رياض لماذا كل هذا الفرح , فقال: لقد بكينا من البرشا كثير.
عقب المباراة كان الشباب ينزلون إلى شارع العدين وشارع تعز من كل حارة, سمعت طلقات الرصاص والتي كان يطلقها بعض مشجعي الريال, وعندما وصلت إلى ساحة خليج الحرية , كنت أسمع الأصوات مرتفعة داخل الخيام , ظننتهم يتحدثون عن الثورة, وأن صالح قد غادر البلاد مع أفراد أسرته, أو أن أحرار الجوية قد قبضوا على المتمرد محمد صالح الأحمر, انتظرت قليلاً لكي أسمع فوجدتهم يتحدثون عن المباراة, وكيف انتهت, وصلت الخيمة وكان الشباب يشاهدون فيها المباراة, والتي كادت أن تنفجر من الازدحام.
الأستاذ زياد الورافي خرج لمشاهدة المباراة وهو على عكازته, كان مسروراً بهذا الفوز, كونه سيعود إلى البيت وهو مفتخر أمام أولاده الذين دائماً ما يضحكون عليه عند خروجه لمشاهدة المباراة ويعود وفريقة (الريال) مهزوووم .
المهم انتهت المباراة بحمد الله, وعاد الريال إلى السلطة, وتحول البرشا إلى المعارضة بعد أن جلس في السلطة طويلاً احتكر فيها البطولات والألقاب في السنوات الماضية, لكن ثورة اليوم بقيادة رونالدو كانت كفيلة بإسقاطه.. إلى اللقاء في كلاسيكو قادم إن شاء الله .
ياسر الجابري
بعيداً عن السياسة 2182