إن سلطة القوى النافذة إذا ما أصبحت أقوى من سلطة القانون تبدأ الثورة بوادرها في ظل استشراء الفساد في مرافق الدولة وأجهزتها.. فماذا عسانا أن نقول للشهداء والأحرار والنضال لا زال سيد الميادين، من فساد علني لا زال يدشنه البرلمان بتخصيص 11 مليار دولار للواجهات والمشايخ القبلية..؟!!
ولنا عبرة في نظام تهاوى حين أدركت السلطة في لحظة السقوط المرير أن إهمال مسؤوليها هو الآخر يسفر عن أنظمة ضحية، لا ينجيها من التهاوي ولا يجعل من الوطن المغدور بخنجر الساسة سريراً ناعماً للمتثائبين بعد أن تنكر له الجميع في النخب وأرادوا له التشييع دون وقفة حداد.
يجزم البعض بأن الأشياء التي لا تبلى في البلاد مهما طال الأمد بها هي قيادات النخب السياسية المحنطة على مواقع قيادية وإن كانت لا تغني ولا تسمن من جوع، كما أن الشيء الذي لا يخفى على أحد هو الفساد والإهمال طبعاً، فحين يبدو النظام ببهرج حلة جديدة تكون الشخصيات هي ذاتها ويستمر الفساد.
قد تتغير الشخصيات في المناصب الحكومية والرسمية، غير أن الفساد يظل كما هو وزد عليه قليلاً، فكثيراً ما تأتي الدولة بمسؤولٍ بديلٍ ليبقى الإهمال يلازمه كظله وكأن الدولة جاءت به ليعتلي الكرسي ويمارس سياسة الهبر فحسب.
هل لا زالت السلطة لا تدرك أن هناك عبثاً قائماً في أجهزتها وإهمال المسؤولين فاضحاً أمام مقرات أعمالهم لازال إلى اليوم؟ فأكثر ما تبدو متألماً على سيارتك وتدرك أنه لم يعد بها عافية، حين تقودها في الشارع الممتد أمام الإدارة العامة للمرور بالأمانة، فبمجرد الوقوف على أحد أرصفة الشوارع يبدو الإهمال جلياً بزخم من التعرجات والحفر وأكثر ما تغلبك الحسرة لتشفي غليلك بضرب كفك على صدرك عندما تكون مظلوماً لجأ إلى الدولة ينشد الإنصاف فعاد منها منهوباً، والأكثر إيلاماً حين يخرج طفلك كالعصفور يترنم بالنشيد الوطني فيجد نفسه غارقاً في لجة من مياه الأمطار المترسبة أمام الهيئة العامة للطرق والجسور، ولعل قمة الحماقة أن نظل نتعاطف مع متمردين على الشرعية كما هو الحال لمن استعذبوا التصفيق لشرعية نظام عجز عن توفير اسطوانة غاز لمواطني شعبه وإن كانت الدولة مصدرة لمادة الغاز، ومنتهى البلاهة هو التعامل مع التغيير من منظور القوى البالية أو الركون لشخصيات قد عاف الزمان نخالة أدمغتها ولا زالت تغالب الكحة لتهتف باسم شباب الثورة، فيما نخشى أن يظل من المضحك حين تتذكر انجازات وزارة الصحة، فنصاب بحمى الاكتئاب وأنفلونزا الضجر، لكن البوادر تبدو طيبة ونسال الله ألا يخيب أملنا.
منذ عقود وطن يئن تحت وطأة العبث والإهمال وما إن يحن الوقت للتغيير، تتجاوز السلطة ووجهها الآخر المعارض الدستور ليتم الخروج عن إرادة الشعب والقانون لتوقيع تسوية سياسية في اتفاقات جانبية غالباً ما يتم إمضاؤها قبيل كل انتخابات.
ها هي الأوضاع لا تخفى على أحد، تمر بمرحلة مخاض لقادم مجهول المصير، فبعد أن تدافعت الجماهير إلى الشوارع تهدر بنشيد التغيير، تقمصت النخب السياسية دور إنقاذ البلاد في مسلسل الرقص على رؤوس الثعابين، الكل يدَّعي الإصلاح زيفاً، يلوذون بمصطلحات الإفك جميعاً، طرفاً يحاول عبثاً قيادة ثورة ما كان في الحسبان إبطالها وآخر يتشبث بشرعية تجندلت بهدير الشارع.
اليوم الشخصيات التي كان الأحرى بالشعب أن يحنطها ليودعها متحف الفاشلين ويشخبط ما أمكن تفسيره من طلاسم سيرتها العفنة على مزبلة التاريخ، هاهي تطل علينا بهياكلها كديناصورات بعثتها صفارة التغيير، قادمين ببهتان السياسة، يلهثون وراء المصالح، يلهبونا حسرة بخطاباتهم البالية، يحاولون فرض وصايتهم علينا ليراوغونا بحواراتهم العقيمة ويريدون من الشعب الإنصات لحكاويهم وهم يحركون ماءً في القدر، بينما يظل بعض القادة وكالعادته يتلمسون الفرحة فينا، يتعاملون مع الشعب كأطفال صغار لا يفقهون الاعيبه، يوعدونا بالصبر والتشبث بنسيج المبادرة الخليجية.
كل ما نتوق إليه هو التغيير بحيث لا يوجد بيننا مكان لمسؤول لا تتجاوز انجازاته بوابة المرفق الذي يديره، ليس بمقدور فاسد أن يتسكع في مدننا دون خشية عقاب، لا وجود لقبيلة أو منطقة لا تخضع لسيادة الدولة، لا فرق بين أحمر أو أبيض أو أسود ولا مواطن و آخر إلا بتقوى النظام والقانون.. لذا أملنا في الخيمة والساحات، فالخيمة لا زالت حبلى بالثوار لم ينته موسم المخاض بعد..
عبد الحافظ الصمدي
أمام قبة البرلمان وعنترية المتمردين 2209