لقد مضى على المرأة المسلمة – خاصة العربية – حين من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً في غير أبواب: الحيض والنفاس، والزواج والطلاق، والطاعة، المطلقة، الزوجة، والأولوية لمن في حضانة المحضون..
ورغم أهمية هذه المواضيع في سير الحياة النقية الطاهرة الملتزمة، إلا إن الأمر يولغ فيه كثيراً عند كثير من الفقهاء، فذهبوا يشددون في أموره لحفظ المرأة وحصرها على تلك المواضيع، خوفاً عليها من تخطف شياطين الأنس والجن، أما الرجل فإنه محصن من ذلك ومن الغي والضلال، ومن سوء والأعمال! فشددوا في لباس المرأة أكثر مما شددوا في تعليمها وتهذيبها وتدريبها لأداء رسالتها الشاملة، وشددوا في خروج المرأة للعمل، ولم ينظروا لعمل المرأة في عصر الرسالة والخلافة،.. لم يعلموا أو لم يذكروا أنها كانت تخرج لكل الأعمال التي يخرج لها حتى الجهاد بأنواعه – والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، والتعليم، والفتوى.. وركبت – سائقة – كل وسائل النقل في ذلك الوقت: الخيل والبغال والحمير والجمال، والسفن في البحر، ولو وجدت وسائل اليوم في ذلك الزمن لما مُنعت من شيء منها..
وجاء حين من الدهر القريب، صحت المرأة فيه على أقوال وأعمال تناديها: قومي، انهضي، تحرري، إكسري كل القيود.. إلحقي بالمرأة الغربية.. فكان صدى تلك النداءات واسعاً، لأنها بأصواتٍ عربية بمضمون غربي والغربيون قد قطعوا شوطاً كبيراً في تطوير أنفسهم وحياتهم وأوضاعهم، منسجمين مع قيمهم التي نبذت كل قديم وكان – عندهم – جديراً بأن ينبذ، لأنه لم يقم على هدى ولم يسر على الصراط المستقيم.
خُدعت المرأة في الدهر القريب بالنداءات والتحريض على الخروج مع الرجل – جنباً إلى جنب – دون التقيد بالقيم الأساس والعادات الحسنة التي تعارف عليها الناس: خدعوها بقولهم إنها حسناء ولا يجوز أن تخفي محاسنها عن أحد وخدعوها حين قالوا لها إنها مظلومة، مهضومة ونسبوا ذلك إلى الشرع والعادات الحسنة، وخدعوها حين قالوا لها: إن ملابسها الساترة عائقة لتعلمها وتقدمها وانطلاقها وصقل عبقريتها، وإظهار محاسنها.. واستجابت المرأة المسلمة لذلك في أغلب البلدان، وانطلقت تلهث وراء السراب فلم تجد حقيقة ما نادى به المسرف الكذاب، وإنما المزيد من العذاب!
وجدت أنها حين ألقت غطاء رأسها وكشفت عن صدرها وساقيها، وفاخرت بذلك وحسبت أنها قد خطت خطواتٍ عظيمة نحو الرقي بنفسها، وجدت أنها لم تحقق بذلك غير رغبة الرجل المستهتر بالقيم، المبارك لنفسه بما حققته له من إتاحة فرصة النظر والتمتع بمحاسنها، ولذلك لا نجد من ينادي بتحرر المرأة بهذه الطريقة إلا السذج الذين ليس لهم طموح للوصول إلى هدف نبيل، أو غاية شريفة، ولا تستجيب من الإناث إلا من كانت من هذا النوع، ولا يفاخر بذلك إلا من ران على قلبه الجهل وغرق في المعاصي، وداخ من شهوة الانبهار بما يراه أو تراه في الفضائيات وغيرها؟!! ظانين بأن ما حققه الغرب وغيره ممن عملوا وارتقوا إنما هو باللباس، لبساً أو خلعاً!
واليوم؟
واليوم أخي القارئ نرى من ضمن البشائر المبشرة المثمرة عودة المرأة المسلمة إلى رشدها لأداء رسالتها، عرفت حقوقها إلى جانب واجباتها التي تجيد أداءها نحو أهلها ثم زوجها وأهله، عرفت أن ظلمها وهضمها ليس من شرع ولا تشريع، ولا من كونها أنثى، ولا من ولمن تعيش فوق ترابه، وإنما ظلمها من الأب الهمجي الذي فرق بينها وبين أخيها في التربية والتعليم والمعاملة، الذي بالغ في رفع مهرها ليأخذه لنفسه، باعها بيع النعجة، وحرمها الفرحة والبهجة، وسلمها لزوجها مجردة من أي شيء تفاخر به أو تجعل لها مكانة عند زوجها وأهله، وظلمت من زوجها الذي قد امتصه أبوها، فأرهقه بكثرة المطاليب، فنظر إليها الزوج بأنها وإن كانت غالية الثمن عليه لكنها ليست غالية المكانة لأنه – لجهلة، ولما ورثة من العادات – يرى أنه اشتراها بماله لإصلاح حاله أما هي فلا سبيل لأن ترفع رأسها، أو تشعر بكرامتها، فذاك وهذا حظها.
والأخ الهمجي كذلك ظلمها بإنكار ميراثها، أو وضع العوائق لوصولها إليه إلا بشق الأنفس، فإذا خرج ميراثها استولى عليه الزوج لأنه هو الذي حاكم وخسر!.
كل هذه المظالم وغيرها على المرأة لا يقره شرع ولا قانون ولا مروءة ولا عقل سوي، لكن المرأة وقد مرت عليها وفوقها هذه المظالم، وانطلت عليها مخادعات لتخليصها، أدركت أخيراً أن كل ذلك كان خارجاً عن الفطرة والتكريم الإلهي للإنسان، بعيداً عن العدل فعادت وتمثل ذلك في الآتي:
- بلوغها المعرفة الكافية لحقوقها وواجباتها.
- إدراكها لمكانتها.
- إدراكها لسمو دينها وقيمها.
- معرفتها للصادقين من الكاذبين من دعاة مناصرة وتحرير المرأة.
- إدراكها لأهمية ضرورة أدائها لدورها في النضال السلمي فشاركت وبرزت وتميزت المرأة اليمينية وتفوقت على غيرها في مشاركتها الثورية، فهماً وأداءً وثباتاً وتضحيةً وبطولة توجت بأكبر وأشهر جائزة عالمية وإن كان ذلك لم يعجب بعض الناس ممن لا يعرفون غير التشكيك وسوء الظن بإخوانهم وأخواتهم وإلى بشرى أخرى..
د.غالب عبدالكافي القرشي
عودة المرأة إلى رشدها 1894