عادة لا ينام الإنسان ثم يستيقظ ليجد نفسه ميت الضمير.. هكذا دون مقدمات!!، بل يحدث موت الضمير بتدرج وصمت ومخادعة من النفس السفلية.. تكون البداية بنزع الحياء، فإذا نزع الحياء يصبح هذا الإنسان المنزوع الحياء مقيتاً ممقوتاً عند الخلق, ثم تنتزع منه الأمانة فتجده خائناً مخوناً، ثم تجتث من قلبه الرحمة، فتراه يسير بين الناس رجيماً ملعونّاً، ثم يلحقه الشيطان بأعوانه المقربين، فلا يبقى له من الإسلام غير اسمه.. هذه مراسيم موت الضمير كما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الضمير تلك اللطيفة النورانية التي تصبغ الإنسان بأسمى معاني الإنسانية , من العفة والرحمة والصدق.. شيء غير محسوس, إلا أن له آثاره الملموسة والمشاهدة في حياة الإنسان الحي الضمير, فتراه جلياً في سلوكه واختياراته, وإراداته, وفي فعله مع محيطه.. تجده إنساناً يجيد مهارة سماع صوت ضميره الحي, الذي يحثه على كل فضيلة ويثنيه عن كل رذيلة, وذلك هو واعظ الله في قلب الإنسان.
نماء الضمير يبدأ منذ الصغر، أبوة وأمومة تتنفس بالضمير الإنساني، وهو هبة من الله للعبد الذي يتسامى بنفسه عن التردي في مستنقعات القبائح، فالضمير ليس صبغة دينية وليس سمة عرقية, هو شيء مشاع بين البشر, كل واحد يمكنه التشبع بأوفر قسط منه إن أراد, والاصطباغ بصبغته الملهمة, حتى أنت يا من بليت بوالدية باهتة الضمير يمكنك ممارسة الوالدية على ذاتك وتنمية هذه اللطيفة النورانية في وجدانك لتشع بريقاً في جنبات عقلك وتشرق في حنايا وجدانك, وتنير دروب حياتك, وتمكنك من القدرة لتحيى حياة الفضيلة والنقاء..
الضمير يتلاشى غالباً في الوجدان بالتدريج, ولكنا نراه أحياناً يموت فجأة, في لحظة تسلط النفس السفلية على الإنسان وغلبة الغضب وسطوة الشهوة، فينزلق المرء في لحظة فارقة بين حياة الضمير وموته في هوة سحيقة بعيداً عن إنسانيته وهذه الكارثة النفسية لا تحدث عفواً, بل هي مظهر من مظاهر تجلي حقيقة الذات الشريرة التي قد يفلح الإنسان في إخفائها لزمن عمن حوله وحتى عن نفسه!!.
الضمير يمثل نزعة الخير في الذات وهو مرشد الإرادة المستقلة ومحدد سير الأهداف، الضمير ابن شرعي للقيم ووالد حقيقي للعقل وصنو للقلب الرحيم.
لا تسكت صوت ضميرك مهما أقلقك بندائه..لا تخرسه مهما تصدعت أهوائك بصدى هتافه.. تعلم مهارة الإصغاء للضمير, نمي ضميرك بالتصالح معه واحترام قيمه مهما بدوت بين الناس ساذجاً, سابحاً ضد التيار, في محيط يتنفس خبثاً, ولو صرت أبيضاً في عالم ملطخ بالألوان العشوائية.
ومضة:
استأنس برفقة الضمير فهو النور الذي لن يخادعك أبداً..
ابق إنساناً جميلاً, وافخر بنفسك , واعتز بكونك مختلفاً!
نبيلة الوليدي
مراسيم موت الضمير..!! 2769