الشهداء هم القادة الأحياء, وهم أصحاب الكلمة الفصل حين تختلف الرؤى, وتتباين المواقف, وهم الجواب النهائي الذي يقدمه الثوار في كل الخدع والمكائد والمؤامرات, وكل محاولات الالتفاف والوقيعة بالثورة والثوار.
دماؤهم هي الحاضرة الحقيقية حين يتغيب الناس عن الساحات والأنشطة والفعاليات, دماؤهم هي الحارس الأمين حين ينام البعض عن حماية العرين , وهي الدفء الذي يمنح لنا في شدة البرد , هتافاتنا التي نهتف بها من اجلهم هي زادنا وطعامنا وشرابنا , فهل هناك أعظم من الشهداء (فمنهم من قضى ومنهم من ينتظر)؟, وهل هناك أقدس من نفوسهم وأطهر من أرواحهم؟.
يا شـــــــــــهيداً رفـــــــع الله به جبهة الحق على طول المدى
ما نسينا ما نسينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى
مضى شهدائنا إلى الله, وفاضت أرواحهم إلى بارئهم, وقالوا لنا حين ودعونا:
تصبحون على وطن موحد, الحكم فيه للعدالة والقانون, قالوا لنا: إن أكبر الخيانات لدمائنا أن نطل من قبورنا ونراكم تتسابقون على تمزيق الوطن, أو نرى هنا وهناك مشاريع صغيرة لتمزيق الوطن في الشمال والجنوب.
كم شهيداً من ثرى قبر يطـــل ليرى ما قد سقى بالدم غرسه
ويرى جيلاً عظيماً لا يظـــل بالفداء الضخم قد هيأ نفسه
ويرى الهامات منا كيف تعلو في ربى الغد الذي فارق أمسه
آه ثم آه على تلك الدماء الزكية والأرواح الفتية التي ذهبت من أجلنا, وكأني بتلك الدماء الطاهرة التي سالت من أعناقهم حين اخترقتها رصاصات الغدر والخيانة وهي تقول لنا:
احتضنا القاتل ليختفي القتل , واستشهدنا لنشهد يمناً جديداً, وسكبنا دماءنا لتتوقف الدماء , واختفينا عن الحياة لنرى حياتكم أجمل , فهل يعقل أن يظل غريمنا المفضوح والمعروف أسرة صالح وأقاربه وأعوانه يقفون على رؤوس الجيش , وعبده الجندي يظل يعقد المؤتمرات الصحفية يحتقر ويطبل فيها لصالح وبلاطجته , ووكيل محافظة إب يقوم بمهاجمة الشهداء ويستخف بهم ويصفهم بأنهم ضحية من ضحايا من يريدون الوصول للسلطة , دون خجل أو حياء؟.. عجباً لمن ينادي بالحوار دون أن يكلف نفسه عناء هذا السؤال: هل نحاور وندخل في حوار وطني مع الذي سفك دماءنا واستخف بشهدائنا ؟ هل نحاور ومازال الجيش معهم , والعتاد والسيوف مشرعة ,وأيديهم على الزناد؟ هل يحاور المرء جلاده, وهل يصافح الثائر قاتله؟, هل لنا أن نحاور ومسلسل القتل لا زال مستمراً, وأبين وأرحب ونهم لا تزال ترزح تحت القصف والحصار والدمار ؟ هل لنا ان نتحاور وبقايا النظام لا تزال قائمة بيننا ؟ هل لنا أن نتحاور مع من يتمرد على الشرعية الدستورية ويرفضون قرارات رئيس الجمهورية , بل ويقومون بسلب ونهب ممتلكات القاعدة الجوية بكل عدتها وعتادها , ويقومون بإغلاق ومحاصرة مطار صنعاء على مرأى ومسمع من الدول الراعية للمبادرة الخليجية؟ ووزير الدفاع الذي قال في جلسة مجلس النواب بأنه خلال أسبوعين سيقوم بكشف المتسبب بعرقلة جهود اللجنة العسكرية ومحاصرتها, ولم نره يفي بما وعد به إلى اليوم؟, وأبراج الكهرباء لا تزال تضرب من بقايا النظام السابق.
إن من ينادي بالحوار في ظل ظروف كهذه كمن يبحث عن الماء في أرض سراب يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
لم تجف دماء الشهداء بعد , لم تختف ابتسامتهم من ذاكرتنا , خيالاتهم وأنفاسهم تسكن معنا في الخيام , وتهتف في المسيرات , لو توقفنا قليلاً ونحن نتحدث عنهم لنعرف هل سارت سفينة الثورة وفق البوصلة التي رسموها لنا، لو قدر لشهدائنا أن يطلوا من قبورهم لنقدم لهم تقارير الثورة عما أنجزناه لحاسبونا , وحق لهم ذلك فهم قادة الثورة الحقيقيون .
هل سيرضى شهداؤنا بمشاريع العنف وحمل السلاح في الشمال أو الجنوب ؟
سيقول الشهداء ساخرون: سكبنا دمائنا لتتوقف أنهار الدم في اليمن , فما الذي جرى؟ وما الذي حصل؟ ولماذا عاد السلاح إلى أيدي بعض من كانوا من مكونات الثورة وشركائنا في النضال؟
سيقول الشهداء: ألم نقل حين دخلنا الساحات وداعاً للسلاح ونعم لدولة السلم والتعايش؟ سيفرح الشهداء حين يرون أن اليمن قد أصبح لها رئيساً جديداً بعد صالح, ستظهر البسمة على ثغورهم, لكن ماذا لو قلنا لهم إن الرئيس الجديد مازال ناقص الصلاحيات, ولازالت قراراته تواجه بالرفض والتعنت من عائلة صالح وبلاطجته, لا شك أن الشهداء سيوصوننا قائلين؟.. إياكم أن يذهب القيصر القديم ليأتي القيصر الجديد؟.. إياكم أن يذهب الدكتاتور وتبقى الدكتاتورية؟.. إياكم أن يكون رئيساً يدار من الرئيس السابق؟ قطعاً لن يسألنا الشهداء عن (صالح)، لأنه في تفكيرهم في السجن مع عصابته أو في المنفى ينتظرون المحاكمة وحكم الإعدام تحقيقاً لقول الله (ولكم في القصاص حياة) حيث ينتظر الثوار هذه اللحظة بفارغ الصبر , ويقولون متى هو (قل عسى أن يكون قريباً).. وكــــــــفى.
ياسر الجابري
وصية الشهداء .... 2235