في كل مرة أُسأل فيها عمَّا يجري ويدور في الساحة ؛ أكتفي قائلاً : أبجد هوّز حُطِّي ، فبعد خمسة عقود من الثورة والجمهورية؛ ها نحن في الصف الأول نتهجأ حروف اللغة كتلاميذ مبتدئين . تصوروا أية مأساة هذه التي نعيشها اليوم, أية ملهاة هذه التي تجبرنا على العودة الى خمسين سنة أو أكثر.
من أول وجديد وكأننا في سنة أولى ثورة وفي أول يوم جمهورية وفي أول حصة دولة ونظام، ليت المسألة توقفت عند هذا الحد من التراجع والتقهقر للوعي والزمن والدولة والثورة والأفكار والمفاهيم؛ بل وصل الأمر إلى الانحدار والسقوط في وهاد ما قبل الثورتين والدولتين الوطنيتين .
أين وليت وجهك فلن تجد سوى المشكلات والأزمات؟ فكيف لو أن الرئيس المخلوع حقق تنمية من أي نوع أو بنى دولة متماسكة الهيكل والبنيان؟ ربما كنا بحاجة إلى معجزة خارقة وإلى تسونامي بشري أكبر من ثورات الربيع العربي.
نصف الشعب اليمني فقراء دخلهم لا يزيد عن اثنين دولار في اليوم ويعانون من الهزال والتقزم نتيجة لسوء التغذية والصحة، أما النصف الأخر فغالبيته بالكاد دخله يكفي للأساسيات الضرورية من غذاء ودواء وكهرباء وماء ومواصلات وهاتف .
هذا إذا ما استثنينا القات الذي يستنزف نصف وثلث الدخل اليومي، بقي لدينا نسبة قليلة من السكان هم الطبقة الارستقراطية المترفة والتي يمكن القول إنها تتوزع إلى فئتين واحدة منها وهي الأقلية التجارية والاستثمارية والرأسمالية المعروفة لليمنيين بنشاطها ورأسمالها ومكسبها وتاريخها, فيما الفئة الأخرى وهي الأكثرية فتكاد واحدة من انجازات الرئيس صالح .
ومع هذا الواقع المرير والبائس الذي يعيشه معظم السكان لا يريد الرئيس وعائلته ومفسدوه ترك هذا الشعب المنهك كي يصلح ويغير ما أفسده النظام الفردي خلال ثلاثة عقود ، لقد دمر الوحدة بل ذبحها من الوريد إلى الوتين، الجمهورية لم يعد لها وجود سوى في الدستور وديباجة القوانين والقرارات, أما في الواقع فملكية أسرية سلالية قبلية جهوية، الدولة تم وأدها باختزالها بشخص الرئيس وعصبته، الجيش والأمن وظيفتهما حماية حكم الرئيس وبقائه واستمراره لا حماية المواطن وسيادة وطنه ونظامه الجمهوري .
نعم فبعد كل هذه السنون نجد أنفسنا نتهجأ (ألف، با، تا)، إرهاب قاعدة وحوثية ودعوات استعادة دولة وثورة عارمة لاستعادة الجمهورية, بل الصحيح لإقامة دولة ديمقراطية حديثة، جيش يستلزمه هيكلة وطنية وإعادة تموضع وانتشار كي يكون جيشاً وطنياً يحمي السيادة والشعب .
أم ينبغي أن تكون مهمته حفظ النظام والقانون، رئاسة وحكومة وبرلمان وقضاء وإعلام يجب أن تكون جميعها بمصلحة المجتمع، كهرباء، مستشفى، طريق، مطار، تنمية، تعليم، دستور وقوانين ونظام، ديمقراطية، وحدة، أحزاب سياسية، جمعيات ومؤسسات ونقابات مهنية وحقوقية وخيرية .
كل هذه المسميات طالها عبث النظام السابق، الآن فقط ندرك كم هي حاجتنا ملحة للدولة وللجمهورية وللوحدة؟ كم هي مسؤوليتنا كبيرة لاستعادة هيبة ومقدرات وقوة الدولة؟ شخصياً لا أعجب حين أسمع أحدهم قائلاً: دولة لا تستطيع حماية أبراج الكهرباء ليست دولة جديرة بحماية الوحدة، ثورة لا تستطيع وقف رئيس مخلوع وإخراج قائد مقال من مكتبه أنها ليست بثورة قادرة على هيكلة القوة وفرض السلطة.
محمد علي محسن
أبجد هوّز ومن أول وجديد 2251