ما أثقل القلم عند الكتابة عن الأفذاذ الحقيقيين حينما يرحلون قبل أن يكتمل مشروع حلمهم الواعي تاركين للإنسانية التعثر، ما أقبح القتلة حينما يهدرون الحياة التي وهبها الخالق لعباده متطاولين بأفعالهم الدنيئة، إنها نزعات الإفساد في الأرض في كل زمان ومكان بمختلف أشكالها ومسمياتها وقودها المهج وحصادها الدماء والأشلاء وخراب العمران.
لا تقوى الحجج والذرائع على تبرير سكوت المجتمع على تلك الجرائم ولن يغفر التاريخ والأجيال القادمة للناس دس رؤوسهم في الرمال ومهادنة البلاطجة أو تغريدهم خارج السرب والظلمة يصولون ويجولون فساداً وإفساداً، يعبثون بأرواح الناس وينهبون ممتلكاتهم أمام صمت مخزٍ لاذ له الكثير ضعفاً وجبناً حتى أضحى لسان حالنا يقول: تسوقنا الأقدار كالنعاج نحو مذابح الهزيمة دون ان نختار أو نقوى على الاختيار... يتساقط الرفاق في منتصف الطريق كقطرات المطر في يوم عاصف مجنون...من هو التالي؟ سؤال يترصدنا في كل المسارات والدروب ويصادر بريق أحلامنا دون أن نملك القدرة على الرفض والاحتجاج.
باسل عبدالهادي مثل مزن خير،وفارس مغتد، مثل إيماض نور فجر لاح، وشذى زهر فاح جاء على عجل ورحل قبل أن ينبلج الصباح، كان شاباً ممتلئ البنية متجرداً من حب الذات و(الأنا)، أبى إلا أن يكون بطلاً حقيقياً لا صفة، آثر أن يكون في وجه البغي حيثما ينبغي أن يكون الرجال الميامين، رغم إدراكه باستهداف حياته شخصياً، ومعرفته بحجم الحقد عليه أبى أن يدس رأسه في الرمل أو يساوم بماله كما درج الكثير على هذا الفعل، بل وكان بإمكانه ان يستأجر حراسة مشددة من أي مكان أراد لاستعراض الهيلمان وبميسوره أن يفعل كما يفعل غيره، لكنه اختار أن يحفظ كرامة الجميع ضارباً بكل أفعال البلاطجة وابتزازهم عرض الحائط، امتطى الشهادة دون ماله فكان على موعد مع مبتغاه غير هياب.
صباح الثلاثاء 3 ابريل الجاري صعقت طور الباحة بل قل لحج كلها بنبأ استشهاده على يد أحد البلاطجة, كان النبأ مؤلماً على كل من عرف هذا الشاب المستقيم، وحتى من سمع عن نبل أخلاقه وتفانيه في خدمة أبناء المنطقة ولا غرابة أن يعلن كل تجار المدينة إغلاق محلاتهم مطالبين بتسليم الجاني للقانون ويتضامن الجميع مع أسرة الشهيد مطالبين بالقصاص، ولا غرابة أيضاً أن يتقاطر الآلاف يوم تشييعه رافضين البلطجة وسفك دماء الأبرياء.
ينتمي باسل عبدالهادي لمنطقة حبيل السبت عمق طور الباحة والمنطقة المشهورة بالوعي والنضج وخيرة رجالها، بيد أن الوضع الذي أفرزه ضعف الأمن وغياب القانون لم يعد فيه احترام للوعي أو تقدير لمكانة احد، ولا لغة هناك إلا لغة البلطجة والنهب والسلب فتحولت المدينة إلى مدينة أشباح الحزن يخيم على جنباتها، يعربد فيها من في نفوسهم كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، ووقاحة هامان, لا وجوه تتوسم في محياها إشراق المستقبل غير نزر قليل أصمتهم المطبلون وأضحت الرويبضات مقصداً لقوم يلتمسون طوق نجاة، فتجاذبتهم الأهواء بعيداً عن درب الخير والصلاح، ربطتني بالشهيد باسل واحدية المعاناة عبر التناولات الصحفية لكثير من قضايا المنطقة والتي يشعرك فيها بتحمله لهموم مجتمع احتار كيف ينجح في إصلاحه، إضافة إلى بحثه المتواصل رغم مشاغله عن جديد التعليم والتي كانت كلية التربية طورالباحة نافذتها المطلة على الجميع، امتزجت في شخصيته الأصالة القبلية بالشجاعة والاستقامة وحسن الخلق.
في أكثر انشغالاته يتواصل معك مشجعاً على مزيد من خدمة الناس والتعاون معهم وبصورة فريدة تراه حاملاً كل هموم زملائه في المدينة ويسعى بكل جهد لتقديم شيئاً للمنطقة وكثيراً ما تعترض الأوضاع الصعبة للمديرية طريق انجازه، لكنه يواصل المسير بعلاقاته الواسعة حتى نال احترام وتقدير الجميع.. حكمة المولى جل شأنه شاءت أن يختاره إلى جواره قبل انجاز طموحه الإنساني في أن يجعل من طور الباحة مصدراً للخير لا موطناً للشر.. لك الخلود ومنزلة الصالحين الأبرار والخزي لكل من تلطخت يده بالدم الطاهر أو من أعان القاتل للإفلات من عقاب جريمته.
أبوبكر الجبولي
باسل عبدالهادي.. دم طور الباحة الطاهر 2726