يستحيل على أي كاتب أو مؤرخ أو حتى مخرج سينمائي أو أي شخص كان- يستحيل عليه أن يصف المعاناة التي تعرض لها شعب الجنوب منذ ما بعد حرب 94م والإذلال الذي حل به من قبل بلاطجة (علي صالح) وهذا وصف دقيق في نظري لتلك القرود التي عاثت في أرض الجنوب نهباً وتدميراً، بل سعت إلى طمس هويته وتغيير معالمه وتدجينه حتى يتسنى لتلك القرود أن تظل إلى ما لا نهاية جاثمة على صدر الجنوب الذي طالما احتضن أبناء اليمن بكل دفئ وحنان، وكانت عدن فعلاً قبلة اليمنيين منذ زمن بعيد..
وحينما أتحدث عن القرود لا أعني أبناء الشمال تحديداً، سواءً الذين شاركوا في حرب 94 أو ساهموا بمعاناة الجنوبيين بطريقة غير مباشرة، فهؤلاء لا حول ولا قوة لهم، فهم مأمورون من قادتهم ولقمة عيشهم تحتم عليهم الانصياع والتنفيذ، إضافة إلى أنه تم التغرير بهم بشتى الطرق لاجتياح الجنوب.. لكنني أعني تلك القلة التي تدير البلد من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه بالأزمات، تلك العصابة التي استباحت أرض الوطن بأكمله وجعلته ملكاً خالصاً لها تديره كيفما تريد وكان للجنوب نصيب الأسد من تلك المكائد والفتن التي وصلت إلى حد لا يحتمله ولا يطيقه إلا شعب تجذرت في عقله وكيانه معاني المدنية والدولة بمفهومها الشامل التي تربى عليها أبناء الجنوب كابراً عن كابر منذ أكثر من 150 عام وقد تجسد هذا الفكر في الثورة العظيمة التي انطلقت أواخر 2006م وأطلق عليها مصطلح (الحراك السلمي الجنوبي) وهي بالفعل ثورة بكل المقاييس المعروفة للثورات، إلا أن إخواننا الجنوبيين كعادتهم سباقون إلى كل جديد فأدخلوا مصطلح (الحراك) ولم يسموها ثورة حتى لا يتحسس إخوانهم في شمال الوطن ويشعرون بأنهم متأخرون عن خلق فعلٍ ثوري كذاك الذي في (الحراك) وذلك لعدة أسباب منها: أن الجزء الشمالي من الوطن لم يصل إلى مفهوم (الدولة) ولم يعشه حتى يومنا هذا لأسباب أصحبت معلومة لدى الجميع ولا داعي لذكرها هنا..
إذاً فمعانات الجنوبيين يستحيل أن تصفها وتشرحها ما لم تكن تعرفهم جيداً قبل الكارثة التي حلت بهم، فمعرفتك بدولتهم السابقة تجعلك في صنع المقارنة المتعقلة وتستطيع أن تصل إلى نتائج تقترب إلى حد كبير من الحقيقة، فعندما يرفع أبناء الجنوب العلم الشطري لا يعني هذا رغبتهم في الانفصال بقدر ما يعني حبهم لتلك الدولة السابقة التي كانت توفر لهم الرعاية بكل معانيها.. إذاً عندها يكون عليك أن تفند الأسباب بدقه التي أدت ثورتهم وحراكهم..
فعندما يشاهد المواطن الجنوبي تلك الممارسات التتارية البربرية التي تمت على أرضهم وتلك المشاهد التي عمرهم ما شاهدوا لها مثيلاً، من نهب وسلب وهنجمة وغطرسة وصلف بكل وقاحة وهم الذين لم يشاهدوا يوماً شخصاً مسلحاً يحمل سلاحاً أياً كان أبيضاً أو نارياً حتى العسكريين كان يحظر عليهم حمل السلاح الشخصي في المدن الرئيسية ما عدا رجال الأمن فقط..
ماذا تتوقع منهم وهم الذين لم يروا يوماً معسكراً داخل مدنهم ولم يشاهدوا متنفذاً بحرسه يسرح ويمرح بلا رقيب أو حسيب، أنتوقع منهم أن يقولوا (تمام يا فندم) وهم الذين تشبعوا بمعاني المساواة والعدالة الاجتماعية على الأقل ليس بمفهومها الشامل ولكن بفارق فلكي عما هم عليه أبناء الشمال؟..
كل هذه العوامل أدت إلى هذا (الحراك) العظيم في مبادئه وسلميته وأهدافه.. فهو حقاً ثورة تقية 100% من الشعب وللشعب ولم تأت بتوجيهات من أحد إلا من كرامتهم لا سواها، أما أولئك الذي ينتسبون إلى الحراك وهو براء منهم، هؤلاء معلومة الجهات التي تقف وراءهم وأولها (علي صالح وشلته) فهي من تمولهم بالمال والسلاح وتقوم بتوجيههم للعمل بما يخدم أجندتهم، فهؤلاء لا يمتون للحراك بصلة ولا يمثلونه وخيراً فعلوا قادة الحراك عندما أدانوا كل تلك الأعمال والتصرفات التي تسيء للحراك السلمي الجنوبي..
أيها المتسلقون على قطار الحراك عليكم أن تدركوا جيداً أن الحراك قد حدد وجهته وحدد مساره وسيصل إلى هدفه ولن تقف في طريقه أية قوة سوى الحق المكفول لهم في كل الشرائع السماوية والقوانين الأرضية.. وسيأخذون حقهم كاملاً عبر الحوار الأخوي الصادق مع جميع أبناء الوطن في الداخل والخارج ولن نرى من إخواننا في الجنوب إلا كل خير والتسامح، فهم السابقون لها دوماً وخاصة (وحدويتهم)، فقط اتركوهم يعبرون عن مشاعرهم بكل حرية وبدون سقف ولا داعي للمزايدة عليهم من قبل بعض إخواننا في شمال الوطن والوصاية عليهم، كما على جميع الإعلاميين والسياسيين تسليط الأضواء على فعاليات أبناء الجنوب حتى وان احتوت أشياءً لا ترغب بها، يجب علينا نقلها بكل ما فيها وهذا سيؤدي حتماً إلى تهدئتهم والرجوع عن سقف مطالبهم المرتفع.. فعندما يشعر أبناء الجنوب بأننا لا نريدهم أن ينفصلوا عنا حباً فيهم وليس حباً في ثرواتهم، لا شك أنهم لن يتخذوا قرار الانفصال على الإطلاق.
منير علوان
الحراك.. الثورة المدنية 1863