برزت شكوك في الأسواق حول مدى جدوى اليورو، كلما سارع القادة الأوروبيون استعادة الثقة من خلال تدابير التقشف مع إغفال الحاجة إلى تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق النمو الذي تبدو بدونه آمال دول الاتحاد ضعيفة على المدى الطويل، ومنذ بدء الأزمة تم تصوير الحاجة إلى النمو الاقتصادي في دول أوروبا التي تعاني من الديون، كمشكلة تواجه هذه الدول، وكان من أوليات دول مثل ألمانيا التي تقدم القروض والإئتمانات فرض تدابير التقشف والقيود على دول الجنوب المفرطة في الاتفاق ونظراً إلى أن معظم ديون بنوك وحكومات دول أوروبا الطرفية هي لدى بنوك ألمانية، ركز المسؤولون على الرابط المالي بين الاقتصاد الألماني والاقتصادات المتعثرة في دول منطقة اليورو. وعانت دول المنطقة الطرفية من عجز ضخم في الحسابات الجارية، الأمر الذي أعاق نمو ألمانيا وفي حالة تراجع أسواق هذه البلدان وتعرض اليونان وإيرلندا للركود نتيجة تدابير التقشف، لن يكون اقتصاد ألمانيا في مأمن من ذلك، لأنه ليس من المحتمل أن تكون دول الجنوب المثقلة بالديون هي الوحيدة التي تستفيد من النمو الاقتصادي الذي تحققه بنفسها ولا يمكن لأي إستراتيجية حل هذه الأزمة دون التصدي لكل الرابطين بين الاقتصادات الرئيسية والطرفية.. ويعني ذلك ضرورة التوصل إلى السياسة الملائمة بين النمو وتدابير التقشف.
كما أن الحل الذي يوازن بين الاثنين هو الوحيد الذي يضمن تحقيق النمو طويل الأجل في الاقتصادين الرئيسي والطرفي على حد سواء، مع طمأنة أسواق الدين على ملاءتها المالية ووقف انتشار العدوى التي تهدد باجتياح القارة، كما أن الاتفاقية التي تم التوصل إليها في القمة الأخيرة بشأن إضفاء الطابع المؤسسي على احتياجات التقشف، بحاجة إلى أن تلحق بها سياسة بخصوص النمو ويتطلب القيام بذلك طريقتان طويلتا الأمد، حيث ينبغي في الأولى السماح للدول المثقلة بالديون مقايضة ديونها الحالية بسندات جديدة يتم إصدارها بنسبة تخفيض كبيرة، ويبدو أن عملية التخفيض ضرورة لتقليل حجم الديون السيادية في الدول الطرفية للمستوى الذي يمكن السيطرة عليها ولخفض عمليات السداد المباشر للديون، مما يساعد على تحرير المصادر للاستثمار والاستهلاك ومن إمكانية تحقيق النمو، لكن إذا كان من الضروري مشاركة الدائنين في الآثار السلبية للأزمة الحالية، ينبغي مشاركتهم أيضاً في النمو الاقتصادي الذي تحققه دول منطقة اليورو والأضعف في المستقبل ويتطلب ذلك اتخاذ خطوة أخرى وهي ربط السندات الجديدة بضمانات مقيدة بنمو الناتج المحلي الإجمالي في الدول الدائنة.
يمكن القول أنه وبدون تحقيق النمو الاقتصادي لن يكون هناك حل دائم لأزمة منطقة اليورو ولا إنعاش الاقتصادات المنهكة، ينبغي أن تصاحب الاتفاقيات الأخيرة المتعلقة بالتقشف عمليات خفض كبيرة للديون، إلا أنه يصعب بيع مثل هذه العمليات للناخبين الألمان، وأن ضمانات الناتج المحلي الإجمالي هي أفضل طريقة لحل هذه الأزمة.
هامش:
1- الاتحاد الاقتصادي 13/3/2012
2- الاتحاد الاقتصادي 7/3/2012
3- الحياة العدد (17876) 14/3/2012
د.علي الفقيه
البحث عن صيغة توازن بين التقشف والنمو 2084