الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والسلام على البشير النذير، السراج المنير وبعد: فإن من حق سبعة وخمسين دولة إسلامية منها اثنتان وعشرون دولة عربية أن تستبشر بعهد جديد ظهرت معالمه في الأفق تلوح، بعد يأس وبؤس عشعش فيها قروناً بفضل حكامها الذين لم يوجد لهم مثيل في التاريخ العربي الإسلامي، جدوا، واجتهدوا في تمزيقها، وتفريقها، وإرعابها وإرهابها.. حق للجميع أن يستبشروا خاصة العرب الذين أخذوا نصيب الأسد من الظلم والقهر والتجهيل والخداع والحرمان، وانهزام الأقزام باسمهم..
عهد جديد أتخيله ينادي بلسان حاله يا من بعت لكم شيئاً من الاستقامة والكرامة، والهمة والعزيمة، والإباء وحب التخلص مما ران على قلوبكم من الخوف والذل والرعب واستهوال الظالمين.. هلموا حي على الفلاح حيَّ على الخلاص حيَّ على النجاح، فقد هبت الرياح رياح التغيير..
عهد جديد ينهى كل المآسي، يبشر ولا ينفر، يفتح بآفاقه أفاق الحرية، والعدالة والعلم والحب والإخاء.
بشائر هنا وهناك تجعلنا نستبشر، لذلك فأنني قررت أن أساهم في رفع الأمل عندي وعند الآخرين خاصة قراء صحيفة "أخبار اليوم" التي فرضت نفسها بمصداقيتها، وجرأتها، وتنوع ثمارها.. فأصبحت مطلوبة مخطوبة لعشرات الآلاف من اليمنيين وغيرهم، سأساهم في الكتابة أسبوعياً – ما استطعت – لأقف مع مجموعة من البشائر التي قد تنسينا، أو تخفف عنا مآسي الماضي والحاضر وتساعد على الدفع بنا إلى مستقبل نستعيد فيه كرامتنا – بإذن الله – فإلى الاثنين القادم لنلتقي فيه كل أسبوع – إن شاء الله – بعد هذه المقدمة.
عودة الوعي
لا شك أن وعي الأمة ابتداءً من الفرد سواء كان حاكماً ومحكوماً ضمانة أولى للحصول والوصول على وإلى الحقوق المتبادلة والرقي المنشود ورضى المعبود.. والعكس بالعكس فإن الفرد والجماعة والأمة التي انتفى واختفى منها الوعي الحقيقي للحقائق، أو قل عندها الوعي، أو وعت شيئاً وغاب عنها في الأشياء الأخرى، خاصة الأشياء التي يتحتم فهمها ضرورة، إذا غاب الوعي في ذلك أو قل فإنها تقترب من فصيل البهائم التي تستسلم للركوب والنزع والأكل، ولا تشعر الأمة أنها في هذه الحالة مظلومة، ولا مهضومة، بل قد ترفع أكف الضراعة بالدعاء للظالم أنه لم يستمر في ركوبها كل الوقت، غير واعية أنه يحتاج إلى وقت راحة نوم، ووقت للتمتع بمتع الدنيا التي كسبها من حقوقها.. وتدعو له أنه أخر ذبحها مادياً أو معنوياً، مع أنه قد يمارس الشيء الكثير من ذلك، لكن وعيها لم يدرك! ونجد في تاريخ العرب أمثلة على ذلك في الجاهلية والإسلام، فقبل الإسلام كانت امة العرب في ضلال مبين، عام عقيدة وعبادة واجتماع وسياسة واقتصاد حتى تسابقت طوائفها على الدول الكبرى المجاورة لاسترضائها، بل للسير في فلكها، واستعدائها على بعض الطوائف التي هي من بني جلدتها، كما حصل في ماضينا القريب، وواقعنا الذي بدأ يتغير.. فجاءهم البشير النذير والسراج المنير رسول منهم، فبدأ بالعلم قبل العمل ليصل إلى الوعي الذي يخرج الأمة من ذلك الضلال العام حتى وصل بهم إلى أن يقف أحد المحكومين ليقول للحاكم (الرجل الأول): والله لو رأينا فيك إعوجاجاً لقومناه بسيوفنا) فيجيب الحاكم بكل سرور: الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من إذا اعوج عمر قومه بسفيه! " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" ومع مرور الزمن عاد غياب الوعي في هذه الأمة حتى وصلت إلى أن أضاعت عزتها وكرامتها، وجهلت حقوقها، وإن وعت واجباتها لأنها حقوق للحاكم أو جعلها حقوقاً، بل وصل بها الأمر إلى أن تعين الظالم على ظلمه إياها، العالم الناقص يفتي، والقاضي التابع يقضي، والجندي يقدم نفسه قرباناً، مقابل أكلة خفيفة رخيصة أو وعد بمغنم قد يكون دراهم معدودة!
بل وصل بها الأمر إلى أن تسير تحت راية ظالمها ليسير بها تحت راية ظالمة وظالمها لغزو الجار القريب وتدميره!!.
وعاد الوعي
وعاد الوعي اليوم أو كاد ليعم الأمة كلها، الوعي العام لا وعي أفراد قليلين، كما حصل قبل عقود فأودى بهم وعيهم إلى القتل والنفي، عاد الوعي لأفراد قبل عقود، لكنهم قليلون وقفوا للظلمة ناصحين، وبينوا أخطار الظلم، والاستبداد والاستعباد والارتهان لأعداء الأمة، وألفوا في ذلك كتباً قيمة، فيها البلاغ المبين، والنصح الأمين، لكن المستبدين الظلمة نكلوا بهم على أيدي المسحوقين الممحوقين من أبناء الأمة، مصدقين منطق: "إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد"!! مع أن الطاغية قد أفسد دينهم ودنياهم!.
والبشرى اليوم في عودة الوعي العام، حيث اتسعت فئة الوعاة وتنامت حتى بدأت تطالب بابتعاد الطغاة وتعرفوا على مواقعهم التي احتلوها ظلماً وزوراً، أوصلها الوعي إلى أن تطالب جهراً، وتستعين بالصبر والتضحية حتى يفتح الله بينها وبين ظالميها وهو خير الفاتحين.
وإلى بشرى أخرى..
د.غالب عبدالكافي القرشي
بشائر ......... 1887