في أي مجتمع متمدن يعول على المؤسسات التعليمية والثقافية ودور العبادة “ المساجد “ في إرساء قواعد الدولة المدنية، فمدارس البلد والجامعات تدار وفق سياسات بدت لنا جميعاً بالتجهيلية وعمدت على إلزام الطلبة بمنهاج جاف خالي من محفزات الابتكار والإبداع وافتقار هذه المؤسسات التعليمية للأنشطة الطلابية والإشراف الاجتماعي النفسي وتكرس لسياسات تجهيل المجتمع وصولاً لإرساء دعائم ثقافة الاستسلام حتى بعد خلع رأس مؤسس هذه السياسة التجهيلية ومرسي دعائمها.
وهنا يبقى بصيص أمل في المساجد ودورها الفعال في إنقاذ مجتمع على حافة الانزلاق في أتون فتن عدة تستهدف بقاوءه، ومحاولة - أي المنابر - إنعاش ضمير المجتمع بالتطرق إلى مشاكل واقعية ملموسة كي نستعيد قبل كل شي الدور الأخلاقي والأمانة الملقاة على كاهل القائمين على العملية التعليمية حتى تشارك بواجبها بجانب المساجد في تعزيز قيم الإنسان السوي.
يؤسفنا جميعاً أن بعض المساجد مستحوذ على منابرها خطباء بغبغاوات يكررون اسطوانة مشروخة زهقت آذان الناس عن سماعها وأرهقت بها وتنطوي خطاباتهم على مراعاة الانتماءات الحزبية لهم وتقديسها في احايين عدة، -ودرء لأي لبس- حديثي عن إنعاش وتطوير الخطاب الإسلامي لا يعني إطلاقاً تنكراً لدين الإسلام ولا الشعور بضيق عندما يتم الحديث عن الصحابة رضوان الله عليهم، فنحن لا نفتر عن سماع التاريخ الإسلامي، لكن الوقت الآن ليس لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي أيها الخطباء، ولا لغزوة بدر وأحد والخندق، بقدر ما هي حاجتنا الملحة لشخذ خطب رنانة تحظ على ترسيخ الأمان وخطورة الاقتتال وعواقب إقحام الشباب في دروب خطرة ك إدمان المخدرات وحمل السلاح والتباهي به، وما أحوجنا لخطاب المحبة وتقبل الآخر وأهمية النظافة الشخصية والعامة وحض الناس على ترسيخ القيم الإنسانية النبيلة..
أيها الخطباء الكرام : مللنا القصص البائدة التي أرهقتم آذاننا بها، فنرجوا أن تستحدثوا خطابكم الديني مؤقتاً بخطاب يلامس قضايا الوطن والفتن التي نتعرض لها جميعاً.
ما ينفر الناس ويحبط عزائمهم هذا التقوقع في دائرة مغلقة بخطاب منغلق لا يواكب قضايانا التي يعالجها الإسلام بطرق ميسرة، فديننا دين تشريع وتسيير أمور المجتمع وإيجاد الحلول لها، ولم تفرض خطبة الجمعة إلا لمواكبة قضايا المجتمع، ولم تكن المساجد مختزلة بتلك النقاشات والاجتماعات السرية والتحرك الفعال للاستحواذ على المنابر وتحويلها إلى أبواق جوفاء أو راجمات للكراهية لنرى بعدها الأطراف المذهبية تتصارع وصولاً إلى التراشق بالأحذية لكل مخالف طبقاً لقانون “ منتظر الزيدي “.
معشر الخطباء الأجلاء : أين فقه الأوليات في خطباكم ونحن نرى فيكم من يبالغون بالأمور الثانوية؟ فهذا الخطيب يدع لحيته تحلق حول وجهه “ويهتم لأمر الغترة “ ولبس الثوب القصير ولا ينسى أن يتعود على ضم كفه وإسدالها على الوجه واللحية كل دقيقة “سنة “، ويترك أساسيات الخطابة ابتداءً من تكراره لخطب حفظها عامة الناس ولا تمت لواقعهم الحالي والمزري بشيء، وصولاً لعدم إتقان فن الخطابة من تغيير نبرة الصوت تبعاً لمضمون الحديث وإنعاش معشر المصليين للاستفادة من هذه الوجبة التوعوية الأسبوعية الهامة التي يلقي كل فرد سمعه لها دون أن ينبس ببنت شفة.
بربك أيها الخطيب هل ستجد آذاناً تصغي لك وأنت تتحدث عن زكاة الأموال والجواهر المقنطرة من منبر جامع جواره البؤس والفقر؟ وكيف يستطيع أحدنا الإصغاء لخطبة مقتل الحسين إذا كانت أصوات الرصاص لا تهدأ من بندقيات يحملها الأطفال والشبان، حيث بإمكان نزعات التمرد أن تصنع ألف كربلاء وكربلاء؟ وأن لنا ان نعي خطبة عن انتشار الإسلام في بقاع الدنيا ومجتمعنا مهدد باختفاء صوت الضمير وبدء ملامح ذوبان خوف الله واستبدال شرعه بشريعة الغاب.. وحاقت بنا الفتن.. واستغلت الأوضاع السيئة من قبل أطراف عدة حتى بتنا نسمع بالمبشرين يغزون بلدتنا تحت مسميات منظمات خيرية أو تعلم اللغة العربية
ونحن مازلنا نسمع قصص الصحابة وانتشار الإسلام، ولا نسمع سوى خطابات إما لكراهية طرف، أو نبذ فئة أو تكفير طائفة؟.
أيها الخطباء نتطلع لأن تتحولوا لتذكير من فقد صوابه فصار بعد أن كان عابداً زاهداً يتحدث عن الإسلام بأنه لم يجلب له ولنا سوى الفقر!.
ولتوعية الشباب بمخاطر الانزلاق بطريق المخدرات وحمل السلاح والتقطع للآخرين وكثير من الفتن بقالب خطابي جميل يناقش قضايا المجتمع ويحفز المجتمع على إيجاد الحلول واستشعار مخافة الله ومراقبته لجميع أفعال عباده.
هذا هو دور الجامع في نشر وتعزيز القيم ومحاكاة الواقع بدء من قضايا الحارة والمدينة وصولاً لقضايا الأمة جمعاء، لا محاكاة خيبر وحنين قبل 14 قرن ونصف من الزمن، والله المستعان..
////
أحمد حمود الأثوري
لرواد المنابر.. نحو تطوير الخطاب الإسلامي 1926