محمود الحمزي
يبدو أن تسمية الحكومة في مسودة المبادرة الخليجية بحكومة الوفاق الوطني كان موفقاً من حيث المبدأ ولا بد منه، لكن ما ظهر على الواقع وفهمه بقايا النظام السابق ليس في محله تماماً، ونسوا بقصد أو بدون قصد أن شباب اليمن أشعلوا ثورة شعبية عارمة بامتياز وقدموا في سبيلها دمائهم وأرواحهم رخيصة من أجل أن يحيا الوطن، ومعه كل أبناء الوطن بجميع انتماءاتهم المتعددة، ولعل من نافلة القول بأن المستفيد الأكبر من هذه الثورة بعد الوطن هم بقايا النظام وأفراد المؤتمر، كون اليمن والمؤتمر تخلصوا من هيمنة الفرد ونفوذ العائلة المستبدة التي مارست الإقصاء والتهميش على الوطن بأكمله، وعلى شرفاء المؤتمر بوجه خاص، ولهذا فإن الثورة اليمنية لم تعتبر إسقاط المؤتمر كحزب هدفاً رئيساً أو ثانوياً، بل اعتبرته أحد ضحايا نظام صالح، لذا لم ينادي أحد من الثوار بعدم الوفاق الوطني، لكن اختلفت كل أطياف العمل السياسي حول إدراك مفهوم الوفاق الوطني ، وذهب الكل يدعي وصلا بليلى ـ الوفاق الوطني ـ وليلى لا تقر لهم بذاك، وأسيء بشكل كبير إلى معنى الوفاق كقيمة وطنية وأخلاقية، وكان لبقايا النظام النصيب الأوفر من تلك الإساءة، واعتبرت بقايا النظام أن الوفاق الوطني يستلزم منا معاشر الثوار نسيان أهداف ثورتنا ، أو التفريط فيها أو التحايل عليها ، وكل ذلك مرده إلى الوفاق الوطني ، وتريد بقايا النظام منا السكوت عن الفاسدين في مؤسسات الدولة وعدم المطالبة بتغييرهم تحت مبرر الوفاق الوطني، وعجباً أمر من يتطلع للماضي ويتشبث به أن يظل حبيس التوجيهات العائلية ويتناسى صمود عام من النضال والتضحيات الجسام ، أملا في التغيير والتغيير الإيجابي وحينما يتم المطالبة بالتغيير يجن جنون بقايا العائلة هذا استهداف للمؤتمر واجتثاث لأفراده ـ ولربما يكونوا محقين في أن المؤتمر اختزل في أفراد نهبوا العباد والبلاد وظنوا أنهم ورثوا الأرض والإنسان ـ وحينما يطالب الشعب والثوار والعالم بأكمله بهيكلة الجيش يعدون ذلك خروج عن الوفاق الوطني وحينما نتحسس ذواتنا وواقعنا المرير والناتج عن سياسات نظام الأسرة المستبدة ونوعي الجميع بذلك، فهذا خروج عن الوفاق وحينما تمر بنا ذكرى مجزرة الكرامة ومحرقة ساحة الحرية وغيرها من المجازر والعنف وأعمال البلطجة من قبل النظام السابق فينبغي علينا السكووت حفاظا على الوفاق ، فليس من المنطقي والعقلانية بشي أن ننسى دماء شهداء حررت اليمن من بين أحشاء وأنياب الطاغية الذي كان يقود اليمن إلى أبعد من النفق المجهول والمظلم ، في مثل تلك المناسبات الدامية سنتذكر شهداءنا ومسيرة ثورتنا وسنستعيد ثورتنا من جديد لتبقى مستمرة وشعلة لا ولن تنطفئ حتى تتحقق أهداف ثورتنا أو نهلك دونها ، ولقد مرت ذكرى مجزرة جمعة الكرامة ولم تأخذ حقها الكامل، خصوصاً في الإعلام الرسمي ومع ذلك القصور سنعذرهم وأنفسنا غير راضية، آملاً في الانتقال للأعمال دون الأقوال والبدء بهيكلة الجيش دون ضجيج وإزعاج لهذا الوطن، فمنذ تشكيل الحكومة ونحن نتابع أداءها ونعلق أملنا بهادي وباسندوة لتحقيق التغيير المنشود وكانت أعيننا تراقب بشدة وزراء المجلس الوطني وكيف سيتذكرون أهداف ثورتنا والتذكير بشباب الساحات وذكر الثورة ولم يكن الأداء عند ما نتطلعه منهم ، ولربما لديهم ما يبرر ذلك ، لكن أن تمر ذكرى الكرامة دونما ذكر شهداءنا أو التذكير بالثورة والثوار فتلك مسألة خطيرة ، ولذا كان باسندوة موفقاً بما قاله أو عمله في ذلك اليوم أثناء زيارة مقبرة الشهداء ، فكان حكيماً حينما قال عن صالح وعصابته بأنهم مصابون بالخرف ، وذهبت العصابة وأتباعها لتعلن حرباً على باسندوة وكأنه هو من ارتكب مجزرة الكرامة وذهب نوابه للتهديد بأغلبيتهم ونسوا أن البرلمان حكمه كحكم العدم، فالحكومة جزء من المبادرة وقرارات البرلمان بالتوافق لا بالأغلبية.
ولعل مفردة الوفاق تظل غريبة على أذهان بقايا النظام حينما يعتبرون الحديث عن جريمة بشعة -اهتز لها وجدان الضمير العالمي- خروجاً عن الوفاق ، فكيف سيكون الحوار الوطني المعول عليه إنقاذ اليمن، وما من شك أن الحوار سيكون لجميع أطياف اليمن ودونما شروط مسبقة وإملاءات، فكيف سيقبل بقايا النظام بالحوار مع شباب الثورة الذين يعتبرون الاعتراف الرسمي بالثورة وكشف الحقائق أمام الرأي العام من أهم مطالبهم للحوار الوطني .
على بقايا النظام أن تستوعب المرحلة التي تعيشها اليمن وتطلعات الشعب للتغيير وتدرك ماذا يعني الوفاق الوطني، فالوفاق ندركه تماماً أيها الإخوة وبعيداً عن كل التعريفات اللغوية والمفردات المتعددة للوفاق ومعانيه، إذ من الأهمية بمكان الأداء العملي للوفاق الوطني ليس إلا، وهو بكل بساطة تقديم مصلحة الوطن على مصالحنا الحزبية والشخصية والمشاريع المشبوهة، ونقول لهم بأن أدركنا الوفاق مبكرين حينما قررنا أن لا نصادر حق المؤتمر بالبقاء في الحياة السياسية وقبولنا بإعطائهم نصف الحكومة ، الوفاق لا يتنافى مع مبدأ تطلعنا للتغيير ولا يتصادم مع المطالبة بمعرفة الحقيقة عن جرائم جسيمة ارتكبت بحق شباب الثورة طوال عام مضى ، ولا يمكن أن نصاب بغيبوبة تنسينا أهداف ثورتنا تحت ذريعة الوفاق والإ ليقولوا لنا ما معنى رسالة الشعب بكل أطيافه في 21 فبراير الماضي سواء من كان مع الثورة أم لم يكن معها ، أليس حباً في اليمن وتطلعاً لعملية التغيير؟ أم أن القضية غير ذلك ، وليعلم الرئيس وحكومة الوفاق بأن الوفاق الوطني لا يعني عدم نقدهم ومطالبتهم بتحسين معيشة الناس، فالنقد عملية مطلوبة وهامة لإنجاح الوفاق وكذلك المصداقية والشفافية في كل أمورنا السياسية والاقتصادية ووو...إلخ، وعلى صالح ومن على شاكلته أن يدركوا أن صالح وعصابته صاروا جزءاً من الماضي تماماً، وعليهم الإدراك بأن الوفاق لا يعني لنا أن نرى صالح وعائلته يمارسون أدوار سياسية، فقد أخذوا حقهم وزيادة وإن لم يدركوا حقيقة أن السلطة قد نزعت منهم، فعليهم إعادة النظر وقراءة التاريخ جيداً قبل أن يندموا في وقت لا ينفع الندم أحد.
وختاماً نقول لمن اعتبر خطاب باسندوة خروجاً عن الوفاق، فماذا عساه أن يقول عن خطاب الرئيس السابق ومن وسط الجامع بأننا بلاطجة ونقود في البلطجة ثورة وبأننا عملاء وووإلخ.. أهذا هو الوفاق أم الجنون والخرف؟!.
محمود الحمزي
أهداف الثورة الشبابية كأرضية للوفاق الوطني 2146