لم يصل الفقه القانوني الدولي إلى تعريف مناسب للإرهاب أو على أقل تقدير تحديد عادل لمُعطيات مفهوم الإرهاب وفي تصوري أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذا المفهوم حتى يُمكن تعريفه بحاجة إلى رؤية مُجردة عن الثقافات البشرية التي تحاول تعريفه أو بمعنى أدقّ إن الوصول إلى مستوى تعريف الإرهاب بحاجة إلى أمة ذات حضارة تستند في قيمها إلى مُثُل عُليا، فمُعظم الحضارات البشرية التي تصل إلى مركز كوني تستطيع من خلاله التأثير في صناعة أحداث العالم تتكون لديها أفكار عن كيفية إدارته بثقافتها، فتضع لذلك مجموعة من السياسات والقوانين والأنظمة وترى أن في مخالفتها خاصةً من الشعوب الخاضعة لها جريمة يجب إنزال العقوبة عليها في حين أن تلك الشعوب قد ترى أن في هذه القوانين والأنظمة ظلم وقد تكون بحد ذاتها مخالفة لمبادئها ولعاداتها ولأفكارها، من هنا تنشأ الإشكالية ما ببن الشعوب الخاضعة والدول الكبرى وغالباً ما تفرض هذه الأخيرة قوانينها المخالفة لثقافات غيرها من الشعوب ولذلك وجب القول أنه من الإستحالة بمكان أن تُسَنّ بعض القوانين ذات البعد الدولي التي قد تمس بالوجود الإنساني نتيجةً للمجانبة الثقافية, وأن هذه القوانين حتّي يتم صياغتها لابد أن تكون مجردة وموضوعية أي أن تكون الحضارة التي تسعى لِسنّها خاضعةً بدورها لمُثلْ وقيم عُليا وهنا يكمُن سرّ استمرار حضارة ما أو فنائها، فقد وصل الفقه الدولي الحديث إلى أفُق مسدودة فيما يخصّ تعريف الإرهاب لأنه إفتقد إلى المُثل العُليا،غير أن الفقه القانوني الأمريكي له رؤيته المنفردة في تعريف الإرهاب حيث عرفه بأنه : - الاستعمال المخطط له للعنف أو التهديد باستعمال العنف من أجل تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو إيديولوجية من حيث طبيعتها وذلك باستخدام التهديد أو الابتزاز أو بذر الخوف- وبالتدقيق في هذا النص ظهرت جلية الثقافة الأمريكية فيه, في حين أنه كان من المفترض أن يكون مُستَنداً للمثل العليا وليس للمثل القصوى كما في التعريف فهو سيؤثر على االعالم بأسره بدون استثناء فبتدقيق في مفرداته استبان بوضوح مدى انحيازه وعدم تجرده من نبرة الاستعلاء ضد الشعوب التي ترغب في التحرر من الاستعمار وفي نفس الوقت تجاهل القوانين الدولية في ما يخص حق الشعوب في تقرير مصيرها واستقلالها وهو ما نصت عليه المواثيق الدولية، خاصة ميثاق الأمم المتحدة فالتعريف الأمريكي خلط مابين هذه المفاهيم الدولية ومابين الإرهاب و الخلاصة أن الحضارة اليوم عجزت عن الوصول إلى تعريف معين للإرهاب لافتقادها للمثل العليا ومحاولتها في التعريف الارتكاز على المُثل القصوى، غير أن القفه القانوني الدولي يلجأ أحياناً لتحديد أفعال ما بعد ارتكابها ويُطلق عليها مصطلح الإرهاب وفي هذا إجحاف في حق البشرية جمعاء وعموماً فإنه من الملاحظ انه قد استقر في الذهن الدولي السياسي والقانوني الدولي أن أي فعل ضار يمس دولة كبرى فهو إرهاب وغالباً ما يأتي هذا الفعل الضار من أفراد أو تنظيمات شعبية وأن هذا الفعل بالضرورة يستوجب ردة فعل دولي فهذا الرد الدولي يُسمى مكافحة إرهاب وبذلك نخلُص إلى القول وفقاً لهذا التصور أن الإرهاب فعل فردي ومكافحة الإرهاب فعل دولي! وتتحدد المراكز القانونية تبعاً لذلك وباستقراء التاريخ الحديث وجدت أن أول من أطلق مصطلح الإرهاب وفعّلهُ سياسياً هو الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان عام 81 وتوجهت بموجبه القوات الأمريكية إلى نيكارغوى لمحاربة الإرهابين فيها أي في أمريكا الوسطى، غيران الضغط الشعبي أجبر الرئيس الأمريكي على التراجع عن الحرب المباشرة واتجه صوب الحرب غير المباشرة عبر دعم متمردي نيكارواغوا ضد نظام الحكم وبعد سنوات من الحرب غير المباشرة صدر حكم من محكمة العدل الدولية ضد أمريكا تُلزم فيه أمريكا بوقف الحرب وتعويض نيكارغوا عن الدمار الذي لحق بها، غير أن أمريكا رفضت الحكم واستمرت في حربها وفقاً لمفهومها للإرهاب متجاهلة بذلك حكم محكمة العدل الدولية والمجتمع الدولي خاصةً اتفاقيات إسكيو يبلاوس التي كان أطرافها والموقعون عليها رؤساء أمريكا الوسطى والتي نصت أن تتحرك دول المنطقة كلها باتجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان تحت إشراف دولي، مؤكدة أن العنصر الهام في تنفيذ الاتفاقية هو أن تنهي أمريكا عدوانها على نيكاراغوى ولم تنه أمريكا هذا العدوان في الأخير إلا بعد ان تنازلت نيكارغوى مُجبرةً عن حقها في التعويض التي نصت عليه محكمة الجنايات الدولية وقد سميت هذه الحرب بالحرب العالمية الأولى للإرهاب والتي كانت إيقاعاتها وأحداثها في أمريكا الوسطى أما بدايات الحرب العالمية الثانية على الإرهاب فقد أطلقها وفعّلها الرئيس الأمريكي بوش عقب حدث الحادي عشر من سبتمبر فبرغم أن الرأي العام العالمي كان يرى عدم استخدام القوه العسكرية ضد طالبان واستخدام الوسائل الدبلوماسية إلا أن الولايات المتحدة والبريطانيين اصروا على استخدام القوه العسكرية وباشروا بالفعل القصف الجوي ودمروا أفغانستان وحولوها إلى ارض أشباح وشردوا سكانها بداعي تسليم الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم إرهاب وبعد انتهاء الضربة الجوية الأولى غيرت أمريكا طلباتها من الأفغان فلم تعد بحاجه للمتهمين بالإرهاب فقد طلبت هذه المرة من الأفغان تغيير قياداتهم وفي تصوري أن تغيير أمريكا لمضمون طلباتها من الأفغان ناتج عن الاضطراب في تعريف الإرهاب ومفهوم الإرهاب وفي ظل هذه الأجواء المأساوية طلبت القيادات الأفغاينة وعلى كل المستويات وعبر وسائل الإعلام من أمريكا وقف العمليات الجوية وهي ستتكفل بتغيير نظام طالبان بدون قتل أو تدمير فقط على أمريكا أن تمنحهم وقت وتدعم جهدهم مادياً وسياسياً وقد بعث ابرز المعارضين لطالبان واسمه عبد الحق رسالة إلى واشنطن تضمنت انه على تواصل مع ابرز قيادات طالبان وبقية القيادات الأفغانية وأنهم سيغيرون طالبان من سدّة الحكم وعلى أمريكا أن تعينهم بوقف القصف الجوي ودعمهم سياسياً، غير أنه وكما أكد عبد الحق فيما بعد أصرت أمريكا على استخدام القوه غير آبه بكل عروضهم السلمية ومنعتهم بذلك من عمل أي شيء بالقصف الجوي وقد استمرت أمريكا في السير في تنفيذ سياسة القوه في أفغانستان حتى وصلت إلى طريق مسدود وهي اليوم تدعو إلى التفاوض مع طالبان ولكن بعد ماذا؟وعلى نفس السياق استمرت إيقاعات الأحداث في العراق وفقاً لمفهوم أمريكا للإرهاب إلى أن وصلت إلى طريق مسدود وانسحبت أمريكا منها بدون أن تحقق أهدافها أيضا نتيجة للاضطراب في مفهومها للإرهاب والى هنا وسأكتفي بضرب الأمثلة عن نتائج الاضطراب الدولي في تعريف مفهوم الإرهاب وأقول إن تعريف الإرهاب بحاجة إلى مفاهيم مقدسة عُليا سماوية يُضاف إليها رصيد التجربة الحضارية البشرية للوصول إلى تعريف محدد، كما انه يجب القول أن على أمريكا أن تتفهم أن استمرارها في التدخل المباشر في الحرب على القاعدة في اليمن سيؤدي إلى نتائج عكسية وكارثية على أمريكا وعلى الشعب اليمني بأكمله وقد جربت أمريكا استخدام وسائل القوة منذ الثمانينات في الحرب ضمن مفهوم الإرهاب وضد الإرهاب وإلى اليوم لم تصل إلى نتائج ملموسة مقارنةً بالجهد الذي بذلته بل خسرت الشيء الكثير من رصيدها الأخلاقي والحضاري، أفلا يجب عليها اليوم أن تترك للآخرين مجالاً لتحديد مفهوم الإرهاب وكيفية التعامل معه؟ وفي تصوري أن لليمن تجربة رائعة في كيفية التعامل مع القاعدة وفقاً لمبدأ الحوار الذي كان يقوده وينظم أفكاره القاضي حمود الهتار وحقق بهذا المفهوم ومن خلاله نتائج إيجابية ملموسة لولا أن السلطة حين ذاك لم تكن حسنة النية في استثمار هذه التجربة لصالح اليمن والعالم أجمع بل استثمرته لصالح مفهومها الضيق لكيفية الاستفادة من الحرب على الإرهاب مادياً.. أقول هذه الكلمات وأنا على يقين أن أمريكا اليوم غير الأمس وان نتائج تجاربها العسكرية في الحرب على الإرهاب ستجعلها تبحث عن بدائل أخرى غير استخدام القوه وفي اليمن مجال ورصيد تجربة قادريين على تغيير المعادلة وفقاً لأسس حضارة وشراكة فيما يخدم القيم الإنسانية.
د/ عبدالله الحاضري
مدى قدرة أمريكا على استيعاب مفهوم مُحاربة الإرهاب 1984