خرجت الأوراق من فتحة الطابعة تباعاً وانبعثت من طياتها رائحة عبقة.. تناولتها من فوري واشتممتها باستمتاع وانتشاء، آه تذكرني بشيء ما.. شيء جميل يطل بطيفه من ذكريات الطفولة.. لقد تذكرتها، إنها رائحة الكافور.. أشجار الكافور التي كانت تتناثر بطول وعرض مدينتي الحالمة .. في الحواري القديمة ,في المرتفعات , في الوديان عندما كانت "تعز" مدينة الخضرة والنضرة والمطر والجمال ..
الآن أسير في الطرقات أغض بصري عن ركام القاذورات المبعثرة في كل مكان وتصفع روحي روائحها العفنة وأجد وخز ذلك في وجداني, أهذه بلدتي الفيحاء الغنّاء الصبية الطروب؟!.
في ساعة مشئومة خرج شيطان بشري منزعجا من تلوث الهواء بروائح القمامة المتعفنة, وفي لحظة جسدت كل المعاني المقيتة للعنصرية والقسوة والتعالي بين طبقات النوع الإنساني أفرغ فوهة بندقيته في جسد العامل المسكين الذي حسب أنه يحسن صنعا بحرقه القمامة التي لم تأت سيارة النقل لإزالتها منذ شهور ..وسقط المسكين مفارقا الحياة ..وسقطت بسقوطه أشياء جميلة في ذواتنا ..كل يوم يسقط الكثيرون في بلدتي المكلومة دونما ذنب غير أن سقوط هذا كان سبباً في الإسفار عن وجوه مشوهة للبعض ..سمعت من يقول : وماذا يعني موت "خادم"؟! ومن يقول : تريدون تسويته بالقاتل؟! ومن يقول : أعطوهم نصف دية!! هل عاد زمن العبودية ؟!.
كل واحد منكم ربما جال في خاطره شيء تجاه ما حدث، كل واحد أصبح بإمكانه قياس رقيه الإنساني وعدالته المنشودة من خلال الحدث ..فهل فعلتم ذلك؟ .
كل شيء يقول بأن القضية ستسير في ذات الطريق المسدود الذي شنقت فيه حقوق الإنسان هنا منذ عقود ..لا يزال كل شيء كما هو، وحتى الأمطار لم تسقط في تعز بعد صلاة الاستسقاء.. ترى لماذا؟ قال البعض: هو غضب السماء؟ الله لا يحبنا !!لماذا هذا التفكير السوداوي تجاه معايير السماء, والنظرة السلبية تجاه الرب, ولماذا سوء الظن بالله؟ إن الله أرحم بنا من أنفسنا ..كيف تسقط الأمطار على هذه الأكوام المتعفنة من القمامات؟! حتماً سيحدث وباء.. الله يرسل لنا برسالة: ارفعوا القاذورات لأنزل المطر.. أزيلوا القاذورات من كل مكان.. ارفعوها.. أزيلوها حتى من قلوبكم, ونفوسكم , لينزل المطر , وتعود تعز كما كانت ريحانة المدن.
نبيلة الوليدي
ريحانة المدن.... 2250