كنا إلى وقتِ قريب ننظر إلى مواقف وتصرفات بعض الزعماء العرب بإعجاب كبير.. لدرجة أننا أعطيناهم ما لا يستحقونه من الاحترام والتقدير والتقديس.. حتى زرعنا في أنفسنا الخوف والذل من مواجهتهم أو الوقوف أمام جبروتهم وطغيانهم، وكيدهم وبطشهم وتنكيلهم بنا، فلم نفكر يوماً من الأيام بأننا سنخرج عليهم، أو نوقف أمامهم رافعين رؤوسنا، مطالبين بحقوقنا وحريتنا حتى لو متنا جوعاً -لأننا حتماً سنلقي حتفنا-فرضينا بواقعنا واستسلمنا لأمرنا، وخضعنا لقدرنا.
لقد سيطر الخوف والذل من الحاكم العربي على قلوبنا وعلى مشاعرنا، وعلى سمعنا، وعلى أبصارنا، لدرجة صرنا ضعفاء جبناء نتنازل عن أدنى حقوقنا ونرضى بواقعنا المرير.. إلى أن جاءت ثورات الربيع العربي وحركت المياه الراكدة، وأعادت الأمل إلى النفوس البائسة، وأعادت لنا بعضٍ من حقوقنا وكرامتنا وعزتنا التي فقدناها منذ عقود طويلة.
إن ما شهدته الساحة العربية مؤخراً من ثورات شعبية عارمة هو نتاج طبيعي لغليان شعبي سببه السياسات الإقصائية والتصرفات الاستفزازية والممارسات العدائية التي مارسها الزعماء المستبدين ضد شعوبهم.. ناهيك عن القمع الممنهج للحقوق والحريات، والنهب المنظم للأموال والثروات.
فجاءت تلك الثورات وكسرت حاجز الخوف الذي كان في داخلنا.. وعرت الحكام المستبدين على حقيقتهم..وأزاحت الأقنعة الكاذبة التي كانوا يختفون ورائها.. وجعلتنا نعيد النظر في الإعجاب المفرط بهم.. كما وأزالت تلك الثورات الغشاوة التي ألقيت على قلوبنا وعلى سمعنا وعلى أبصارنا.. والتي بسببها صرنا نرى عكس ما كان يجب أن نراه تجاه الحاكم.. فكانت النتيجة أن أخذ هذا الحاكم ما لا يستحقه من الاحترام و التقدير، والتصفيق والتهليل.
لقد نجح حكام الفساد والاستبداد بإقناعنا بأنهم من يحمون أوطاننا، ويحافظون على مصالحنا ويرعون حقوقنا.. بينما هم في الحقيقة أول من يعتدون على مصالحنا، وينهبون أموالنا، ويهتكون أعراضنا، ويصادرون حقوقنا، ويدنسون مقدساتنا، ويكمومون أفواهنا، ويمنعون أقلامنا.. وهذا لأننا كنا مُصابين بعمى الإعجاب المميع بأولئك الحكام إلى درجة أصبحنا نرى الباطل حقاً والحق باطلاً، والمنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وهذا يعتبر نجاحاً كبيراً لزعماء الفساد والاستبداد الذين استطاعوا أن يجرونا إلى كل ما من شأنه أن يقوي شوكتهم، ويعمق جذورهم، ويطيل من بقائهم في السلطة، بل ويمهد الطريق أمام توريثها لأبنائهم وأبناء أبنائهم من بعدهم.. بينما نحن من يصفق لهم ويهلل بحمدهم، ويسبح بشكرهم،وبمنتهى السخافة، وقمة الحقارة..وهذا كان السبب الكبير في نجاحهم وإطالة مدتهم في الجلوس على كراسي السلطة والإمساك بها لعقود.. وهذا ما لا نتمناه أن يتكرر في ظل الأنظمة العربية الجديدة التي ولدت من رحم ثورات الربيع العربي، لأنه في حال وتكرر مثل ذلك الإعجاب الأعمى، فإننا حتماً سنعود إلى المربع الأول.
موسى العيزقي
الحاكم العربي والإعجاب الأعمى 1964