ماذا نتعلم؟
تعلمنا..! تهمة ألصقت فينا زوراً.. حشرنا فوق كراسي متصلبة توحي بقسوة القادم.. شخص يدعى "مدرساً, أستاذاً , مربياً , معلماً" - ها نحن ذاهبون للموت دون أن نعي أدنى فلسفة لهذه المرادفات العدة - .. سبورة سوداء., يتهامس طالب مع زميله : " قلب المدرس كمثل هذه السبورة.. عصى غليظة تلوح فوق الرؤوس.. طبشور أبيض كقلوبنا في عهد الطفولة.
***
تعلمنا ! أبسط شيء لم نعلم فائدة غرس فسيلة.. وعندما سألت مدرس مادة الديانة ماذا يعني إذا قامت الساعة وفي يد أحدنا فسيلة فليغرسها؟؟ سخر مني وقال المعنى بالطبع يا بني : " عود قات سيكون بيديك فتغرسه كي يعينك على الوقوف يوم الحشر ".. صدقته بداية , وكذبت ما قاله عندما عدت لأتخيل رجل صيني يمضغ القات كما نفل نحن معشر اليمانيين " فأدركت خطيئة وحقد ذاك المربي".
***
تعلمنا.. لم نعرف رقم الطوارئ ولا رقم حوادث الطرقات, ولم نتعلم أي طريقة للتعامل مع زميل أصيب بينما كنا نركض خارجين إلى بهو المدرسة.
***
تعلمنا.. وفهمنا بأن آباءنا المصابون بالسكري كانوا مدمني حلوى ! وتعلمنا من مدرس الصف الثامن بأن الحيوانات المنوية ضرر يجب التخلص منه قبل فوات الأوان, حيث دخل الفصل وسأل بحدة: هل تمارسون العادة السرية ؟ كنا قد فهمنا ما تعني فطأطأنا رؤوسنا خجلاً, فأردف قائلاً: أحبائي الطلاب هذا وسخ فتخلصوا منه ومن لم يفعل سيصاب بالعقم, فتفتحت عيوناً بريئة على هذا الوسخ.
***
تعلمنا.. وعندما رسب جاري بمادة الرياضيات جاء إليه المعلم وأشار إليه بفرك أصبع الإبهام بالسبابة!, فهمه الطالب وجاه بخاتم أخته ونجح بالمادة بامتياز.
***
تعلمنا.. عندما وصلنا إلى آخر سنة دراسية هاجت البيوت وأعلنت حالة الطوارئ, وأعلن في ميكرفون الإذاعة المدرسية عن اجتماع مهم مع الطلبة المتقدمين لامتحان الثانوية العامة مع إدارة المدرسة, فقدمت لنا النصائح بأماكن تصغير الكتب للغش, ونصائح أخرى حول حمل مبالغ نقدية نجمعها كل صباح لرئيس اللجنة الامتحانية من أجل الحصول على الغش.. كانت أحلام عظيمة تسكننا, جالت أرواحنا بعيداً فهذا يرى نفسه طبيباً وذا يقود طائرة إيرباص, وآخر في محطة توليد الطاقة النووية، قطع أحلامنا صوت أحد المدرسين قائلاً: مفهوم يا طلاب؟ فصرخنا مفهوم, مفهوم. عند انطلاقنا إلى مراكز الامتحانات كانت تسبقنا دعوات أمهاتنا: "اللهم لين قلوب المراقبين لهم ودعهم يغشون من أول الوقت حتى آخره"، ليتم بعدها حشر مبالغ مالية – لم نحصل عليها في أي وقت آخر - في جيوبنا الصغيرة لننطلق صوب قاعات الامتحان.. عند العودة وقبل أن يرد أحداً علينا السلام - يصل مسامعنا: هل غشيتم؟ وإذا كانت الإجابة نفياً تنطلق الألسنة بالدعاء على جميع المراقبين بالموت, والزوال وقطع الأرزاق! نبرر لهم امتحان اليوم بمادة الديانة وحرام أن نمارس الغش فيها! لتهتف الأمهات بقولهن: "على الأقل كانوا يساعدوكم في النحو والإعراب"، لنغرق في ضحكاتنا.
***
تعلمنا.. عندما استعرت ذات اختبار شهري من زميلتي قلم الرصاص تم استدعاء ولي أمري لانتهاكي حرمة المدرسة وهتك شرف قبيلة, ومنعت تلك الطفلة من مواصلة تعليمها، كونها لم تحافظ على شرفها.
***
تعلمنا.. كم عصى هطلت على الكفوف والرؤوس وصولاً إلى المؤخرات والأقدام لأننا حيوانات لا نتعلم بغير عصى غليظة, وغيبت من مدارسنا الفعاليات والأنشطة الطلابية ولم نستطع رسم مكعب, وخوفنا من المسرح وخيل لنا بأن خشبة المسرح مكان مقدس كعرش الرب
***
تعلمنا.. حفظنا النشيد الوطني وتحية العلم وأناشيد أيوب طارش الوطنية.. وتعلمنا بأن الله خالق كل شي وليس إبليس, وبأن علي بن أبي طالب كان بطلاً وتشكلت لدينا أسئلة عدة فيما إذا تقابل مع عنترة بن شداد لمن ستكون الغلبة وتركنا منقسمين قسم يشجع علي وقسم يشجع عنترة وكان هذا عوضاً عن دروس الموسيقى والرسم والرياضة والأنشطة المدرسية بينما كان مدرسنا يظل في الفصل وقت الراحة ليتلصص لوجوه البنات مدعيا قيامه بتصحيح دفاتر الواجبات.
***
تعلمنا.. بأن اليمن كانت شطرين منفصلين فتوحدنا- بالنسبة لي لم أصدق ذلك، بل كنت مؤمناً بأننا شعب واحد منذ الخليقة, وعندما كنت أصادف سؤال امتحاني عن زمن قيام الوحدة اليمنية أكتب إجابتي "منذ الأزل"، وأدركنا أنه في كتاب الوطنية للصف الرابع كانت هناك في الطبعات القديمة صورة رئيسي شطري البلاد أثناء رفع علم الوحدة وفي طبعة ما بعد عام 94م، يبرز شخص واحد يرفع العلم في ساحة التواهي يتوحد مع جني لم تستطع الكاميرا التقاطه.
***
تعلمنا في الصف التاسع الجهاز التناسلي للذكر والأنثى لمدة دقيقتين فقط وكنا نشعر بالخجل وكأن أمامنا أفلام جنسية فاضحة.. وعندما قام أحد التلاميذ بالسؤال عن أجزاء العضو التناسلي الذكري رد عليه الأستاذ بوقاحة: اسأل أمك؟ فتوهنا لردح من الزمن بأن للنساء عضوين تناسليان ذكري وأنثوي.
***
تعلمنا.. بأن الربيع اسم أحد فصول السنة, وليس مصطلحاً سياسياً.
***
تعلمنا.. وعندما كنت طفلاً ذهبت إلى شيخ دين في قريتي وقدمت له أسئلة لم تدعني أنام - شأني شأن أي طفل يبحث عن معرفة كل شيء، سألته عن خالقي؟ عن شكله وحجمه؟ سألته من خلق الله؟ وإذا كان هناك بداية للزمن، فكيف كانت نقطة الصفر؟ من كان قبل الله؟ كيف نشأ هذا الكون؟ وأسئلة أخرى لم اهتد لها بطفولتي حينها أغرز أظافره اللعينة في أذني وقال لي :" أبوك اشتراكي ملحد يعلمك هذا الكلام"، امتعضت منه ولم أكن بعد اعلم من قاموس اللعنات شي كي أرد عليه وهو يقدح بحق أقدس مقدساتي.
***
تعلمنا.. أن الحب حرام وأشد حرمة على الفتاة التي خلقت من ضلع أعوج , وتعلمنا بأن صوتها عورة ووجهها , وأن نغفر كل زلات آدم مهما عظمت فهو بالطبع ذكر, وأن ننزل أشد العذاب بحواء إذا أخطأت بخطأ أكتشف تحت المجهر.
***
تعلمنا.. بأن الشيعي والإسماعيلي والدرزي والمسيحي والبوذي.. ومن ينتمي للأحزاب الاشتراكية والعلمانية و.. و..إلخ لهما اسم واحد ومفردة واحدة " يهودي " حتى لو كان مسيحياً أو مسلم شيعياً, والمسلم فقط من كان سنياً سلفياً وهابياً.
***
تعلمنا.. في مدارس تروض لجيل فاسد مستسلم خانع, وجهل مؤسس, أسس له بثقافة حقوق الطالب المقدسة وعلى رأسها حقه في أن يغش وينجح بفلوسه بعد أن زودنا بعلم قادنا للإيمان بأن منجزات الوطن هبة من الحاكم, وأن الراتب الذي يحصل عليه آبائنا هبة من النظام الرحيم بنا, وإن الهواء الذي نستنشقه فقط هو الحق الوحيد لدينا ومكرمة الرب, وغرس في عقولنا بأن الخروج عن الحاكم وإن كان ظالماً كفراً وزندقة وعقوبته الإعدام.. وإن ضربك في أحد خديك, حرك له الخد الآخر ليصفعك ثانية تحقيقاً للعدل.
***
تعلمنا.. إن لله أوصياء وأولياء ومتحدثين رسميين.. وواهبي صكوك المغفرة ودخول الجنة.. والمخولين بتزكية إيمانك ووطنيتك وقدمت لنا النصائح بأن نؤمن بالمشعوذين ونذهب إليهم للحصول على خلطة سحرية للنشاط الجنسي.. وتميمة تشفي عاقراً, ولكشف الأعداء وإبعادهم, وجلب الخير.
أحمد حمود الأثوري
تعلمنا.. في حقول ملغمة فحسب!! 2104