إن لكل حقيقة برهانها ودليلها وإن قلت أن تعز هي الناقوس الذي دق أجراس الخطر على النظام البائد فهذه حقيقة لا مفر منها، فكما أن للحياة نفسها وقوامها فإن تعز الإباء هي للثورة ماؤها وعافيتها، فقد كانت بوابة التغيير الأولى وملهمة كل ثائر فأول( كيلومتر حرية)كان فيها ومتى كان للفعل الثوري مضمار في السباق نحو التحرير فان للحالمة إبداع ومسيرة الحياة لذلك عنوان والأدهى من ذلك انه ما غابت شمس الآباء يوما إلا وكان للمرابطين المتظاهرين مع خيوط الفجر موعد ولقاء بمظاهرات يومية ,ويوم أن صرخت المحافظات (اللطيمة اللطيمة) و تنادت بنت بلقيس للتضحيات أردت الخيل نسوة من أمثال تفاحة وأخواتها شهيدات هن شامة في وجنة التاريخ وغرة في جبين تعز وكان قصب السبق لك يا تعز.
وحينما أراد الجلاد قيران وزبانيته أن يثبتوا لأسيادهم في القصر الجمهوري ولائهم فلم يجدوا إلا حبراً من دماء الصامدين في تعز وبأقلام الغدر والخيانة وقعوا ذلك الولاء ويوم أن أرادوا أن يركعوا اليمن بكلها فلم يجدوا إلا ساحة الحرية والتي قرأوا البيان فيها من على فوهات المدافع التي أمطرت الخيام فيها بقذائف الموت وهنا حلت على السفاح قيران وأقرانه لعنة اسمها (المحرقة)، ولكن الإرادة الشعبية لم تنكسر شامخة شموخ جبل صبر.
ونحن إذ نسرد هذه الحقائق نستدعي ملفا نعيش ذكراه المؤلمة اليوم في الرابع من أبريل يوم الشؤم الدامي وكأني بأولئك الفتية الذين جلسوا يتحدثون عن الثورة وكيف طال أمدها وتباعدت أسوارها، فقال سامر الحي فيهم، (لابد من المحافظة وإن كثرت التضحيات)، وعبر أثير البطولة طارت تلك الكلمات ليتلقاها شباب العزة ليتنادوا فيما بينهم بالزحف مكتوباً على رايتهم (ما بقينا إن بقيت) وانطلقت الجحافل وتشابكت الأيادي معلنة النفير لتبارك السماء خطاها وكأني بهم وهم يرمقون المستحيل وهم يرون منذ وقت ليس بالبعيد ما حل بإخوانهم في معركة الكرامة في صنعاء وكيف أن القتلة حصدوا الأرواح الطاهرة بجبروت نازي مقيت, لكنهم أيقنوا أن لكل نفس أجلها ولابد من أن يرى الظالمون أن للموت عشقاً أبدياً مادام أنه الطريق الموصل لتحرير الأوطان وأن أقزام القصور أحقر من أن يكون لهم في تعز سطوة وسلطان.
وهناك في كواليس المؤامرة اجتمع أقطاب الطغيان يعدون العدة (ليوم الزينة) والتقى الجمعان في ملحمة كتب الأبطال بمداد دمائهم وصية الشهيد الذي أبى أن يكون للجبن في قلبه مكاناً ويلهف فؤادي وأنا أتذكر ذلك التسابق نحو الشهادة وكأن الرصاص، يعزف قيثارة عذبة تزف فيها أرواح بريئة إلى العليين وكانت الحرب سجال اندحر فيها القتلة، فاتحين الطريق أمام الثوار ليصلوا إلى بوابة المحافظة بعد حرب غير متكافئة، صدور عارية أمام الرصاص والغازات السامة حصدت فيها عشرات الجرحى والشهداء، ولكنهم قضوا نحبهم وهم يحملون وسام العزة والكرامة، فقد ضحوا بأرواحهم لتأتي ذكراهم، لعل الذين باعوا وطنيتهم وتآمروا على الوطن من الذين اتسخت أيديهم بأموال استلموها من طهران أن يراجعوا مواقفهم, وأيضاً ليخاطبوا قادة المجلس المحلي في المحافظة بأن دمائهم التي اشتركوا في سفكها لن تكون هدراً أو أنهم سيظلون عبيداً للرئيس السابق.. ولا نامت أعين الجبناء ولن ينسى التاريخ فعلتهم وهاهي أرواحهم تقول لهؤلاء (يا قوم انتم في وادٍ ونحن في وادٍ).
أمين الحاشدي
ملحمة أبريل الدامية أيها الجبناء 2136