من مميزات الثورات العربية هي أنها كانت ثورات "الأيادي العارية" في مواجهة قوى البطش والطغيان، فقد تجنب شباب الثورة في غالبيته استعمال العنف والركون إليه حتى عندما كانت قوات الأمن تواجه المتظاهرين بالرصاص الحي، وهذا ما فعله شباب تونس يوم الجمعة 14 يناير، أي قبل انهيار نظام بن علي بساعات قليلة، فقد كان رجال الشرطة يطلقون النار على المتظاهرين في حين كان شبان وشابات في سن العشرين يصيحون "BEN ALI DEGAGE" وهم عراة الصدور استعدادا للموت من أجل الحرية والكرامة.
لذلك كان الصحفي الفرنسي المرموق جان دانيال على حق عندما كتب يقول في افتتاحيته الأسبوعية "ما يثير الانتباه أكثر من غيره في هذه الانتفاضات بأياد عارية والتي يقوم بها ثوار الربيع العربي "هو أنهم لم يستعملوا الأسلحة، وفي اليمن بالخصوص، وهم يعرضون صدورهم للرصاص".. ليس عندنا هنا انتحاريون من الدعاة المتحمسين للعمليات الانتحارية، هم لا يقتلون تاركين ذنب ارتكاب الجريمة لأعدائهم، لكأنهم يعلمون ما قاله البيركامو على لسان إحدى شخصياته: "في كل مرة يلجأ فيها المضطهد "بفتح الهاء" إلى السلاح باسم العدالة، فإنه لا يفعل شيئاً آخر غير قطع خطوة باتجاه الظلم".. إن ثوار "الربيع العربي" يفرضون القوة الهائلة لحضورهم وهذا ما يفصلنا عن فرسان التطرف".
لقد أحدثت الانتفاضات الشعبية في تونس، ومصر، وليبيا واليمن وسوريا وبلدان عربية أخرى تغييرات هامة وعميقة لم تكن متوقعة من قبل أبداً، فقد أسقطت أنظمة فاسدة مستبدة مخرجة التاريخ العربي من جموده وركوده ليصبح تاريخاً متحركاً، متفاعلاً مع العصر ومتغيراته عاكساً لطموحات الأجيال الشابة التي تحلم بالحرية والكرامة.
مع ذلك، فإن المستقبل يظل محفوفاً بالمخاطر، فالفوضى الهدامة التي تبرز وجهها القبيح هنا وهناك من حين لآخر يمكن أن تقوض أحلام الثورة وتصيب مفجريها بالإحباط واليأس، وقد تستغل حركات راديكالية وأصولية أجواء الحرية والانفتاح لتغرق هذا البلد العربي وذاك في الفتن والنزاعات الإيديولوجية والمذهبية.
وهناك احتمالات أخرى كثيرة لابد من أخذها بعين الاعتبار لتجنب ما يمكن أن يعيد التاريخ العربي إلى الوراء، مع ذلك يظل الأمل قائماً، ففي تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبلدان العربية الأخرى نخب سياسية وفكرية قادرة على مواجهة الامتحانات العسيرة التي تنتظرها ومثل هذه النخب هي حزام الأمان لكي تحقق الثورات العربية الجديدة مراميها وأغراضها، ومقاصدها، وذلك ما يبتغيه شهداؤها الأبرار وأولهم شاب فقير من سيدي بوزيد يدعى محمد بوعزيزي.. ولا نستطيع التكهن باسم آخر شهيد في ثورة الربيع العربي، كون الثورة لم تنتهي بعد في الوطن العربي.
رمزي المضرحي
من روائع الثورات العربية!! 1571