(عزيز) طفل يمني لا يتجاوز عمره (12) عاماً نائم في زاوية احد شوارع مدينة سعودية.. صورة أوردتها إحدى الصحف الخليجية ورآها من رآها وطوية الصفحة وانتهى الأمر وبقي (عزيز) وحيداً بقيلولته بعد عناء العمل (التسول) أو لعله بذلك أراد أن ينسى لدقائق واقع مر يتجرعه يومياً لم يكن له يد فيه.
لا أتحدث عن حجم عمالة الأطفال وتشردهم داخل الوطن، فذلك أمر آخر الجميع يدركه وأصبح ذلك احد معالم دولة بسبب الفائض أصبحت على رأس الدول المصدرة للأطفال, دولة خطابها عسل وإنسانيتها من حجر، وفي كلا الحالتين في الوطن أو في الشتات الفاعل واحد والمصير معلوم.
أمامي بعض التقارير الدولية بخصوص عمالة الأطفال والاتجار بهم، لا أبالغ إن قلت بأنها أرقام مهولة، خلال أربع سنوات من 2007م كان عدد الأطفال الذي تم تهريبهم عبر معبر حرض لدول الجوار ما يقارب (51) ألف طفل ستجدونهم في شوارع وأسواق وأزقة وفي غرف الترحيل حيث 4500 طفل يمني يقبض عليهم شهرياً من قبل السلطات السعودية المختصة بحسب دراسة سعودية.
أطفال ذنبهم أرادوا البحث عن وطن يوفر لهم الحد الأدنى للحياة, وهذا ما لم يجدوه في وطن يعتبر على رأس قائمة الدول ـ كما يقول التقرير ـ في صادرات الأطفال.
كم هو عفوي ذاك المذيع الذي كان يومياً يفتتح صباحنا وهو يفاخر بصادرات اليمن من المنتجات وكان الملح على رأس صادراتنا متباهياً في ذلك لعله لم يدرك بأن الصادرات اليمنية من الأطفال فاقت دول العالم.
أعجب كثيراً من دولة تبيع الشعارات والأوهام حينما تفاخر ببرلمان للأطفال وتدعي حرصها على حقوق الطفل ويحدث فيها كل ذلك.. نعم دعكم من عضويتها باتفاقية حقوق الطفل، لأن ذلك مثار للسخرية ودعكم من مسرحية برلمان الأطفال لأنه مثار للشفقة وذر الرماد على العيون.
منذ القدم واليمني رحال نحو الاتجاهات الأربعة باحثاً عن حياة أفضل وهاهم اليوم حتى أحفاده بدلاً عن أحضان الأبوين وبدلاً عن رياض الأطفال والمدارس والعاب الطفولة هاهم يسلكون نفس طرق أجدادهم في الهجرة للمجهول عبر الصحاري والجبال باحثين عن وطن ضائع وأحلام سراب وعن أرض أرحم من الأرض التي أنجبتهم، وطن جعل حتى الشقاء بالوراثة.
يصعب على أي فرد تخيل حجم المعاناة والظلم الذي يلحق بذاك الطفل الذي لم يتجاوز عمره (12), عاماً ونوع المستقبل الذي ينتظره, وأي حب وولاء سيجنيه وطن حوّل طفولته إلى بؤس وشقاء وساهم بتشريده إلى شوارع وأسواق تمتهن كرامته ألف مرة باليوم.
أجزم بأن مثل هذا الطفل سيكون على استعداد مستقبلاً لاستبدال جنسيته بفردة حذاء لو تمكن من ذلك ولا ملامة عليه.
وحيث لم يعد السبب خافٍ ونحن نتساءل بسذاجة عن مصدر الأعداد الكبيرة الملتحقة بالجماعات المتطرفة وأي بيئة تنتجهم, أليس الغريق يتعلق بقشة؟
فكم هو صابر هذا الشعب وأطفاله يهربون عبر الحدود بسبب الفقر والأمية والتخلف ليمارسوا التسول وتنتهك طفولتهم وآدميتهم بسبب سلطة فاسدة مفسدة تجرعهم الفقر بينما حيتان الفساد بسياراتهم الفارهة وقصورهم الفاخرة وملياراتهم المسلوبة من قوت اليمني وقوت أطفاله ووطن حولوه إلى ملكية خاصة بهم ولأبنائهم وعليه أن يذهب للبحث عن وطن آخر إن شاء ويكرر تجربة أجداده حين هاجروا لمشارق الأرض ومغاربها للبحث عن ملاذ.
كم هو حليم وأطفاله تنتهك إنسانيتهم وطفولتهم فقط لأنه كان أكثر صبراً على سلطة لا يعنيها شيئاً إن باع طفله أو نفسه, و كم كان عظيماً عندما فاض الكيل وهزم الخوف والجوع و خرج إلى ساحات التغيير ينشد غد أفضل له ولأطفاله وللأجيال القادمة.
إذاً هي فرصة العمر حتى لا نخذل (عزيز) ذاك الطفل ذا الـ(12) ربيعاً والآلاف غيره, ولا نتركه نائماً على رصيف المجهول كما هو, هناك حيث ستستمر المأساة وتصبح (بلادي وان جارت عليا عزيزة), هباءً منثورا.
فؤاد عبد القوي مرشد
عزيز طفل ذل 1981