الوحدة كلمة جميلة محببة للنفس تحمل دلالات عظيمة، فهي توحي بالقوة والألفة والمحبة والإخاء وتحقق المقصود في قول الله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".
لكن هناك من عمل على تشويه هذه الكلمة و أفرغها من مضامينها من خلال إقرانها بكلمات ذات إيحاءات سلبية تحمل معانٍ منفرة.. منذ سنوات وهناك من يردد على أن الوحدة خط أحمر وأن الوحدة عمدت بالدم.
اللون الأحمر هو لون الدم والدم وإن كان يجري بعروقنا ويعمل على نقل الغداء والأكسجين إلى كل أجزاء الجسم، إلا أن كلمة الدم عند ذكرها توحي بالخراب والدمار والقتل وفراق الأحبة، ولاشك أن ربطها بالوحدة يفسد معانيها العظيمة ويحولها من وحدة محبة وإخاء وبناء إلى وحدة دمار وخراب وقتل..
لقد ظلمنا الوحدة ظلما عظيماً يوم أصررنا على أنها خط احمر وعمدناها بالدم، لقد جعلنا القلوب تنفر منها وتهفو إلى نقيضها، كان الأجدر بنا أن نجعلها خطاً أخضر, فاللون الأخضر هو لون الطبيعة والجمال والنفوس ترتاح وتأنس عند النظر إليه, وكان الأجدر بنا نعمدها بسائل غير الدم، فهناك سوائل كثيرة يمكن أن تعمد بها الوحدة, فالزيت أفضل من الدم فهو سائل الصناعة وأن الإنتاج أو المانجو الغني بالفيتامينات الذي تشتهر به أودية بلادنا..
إن الوحدة بحاجة إلى إعادة الاعتبار لها وتصفيتها من كل الشوائب والأدران والأوبئة التي علقت بها وأفسدت معانيها وجعلت القلوب تنفر منها، لابد من إعادتها إلى صفائها ورونقها ومعانيها الجميلة، لن يتم ذلك إلا إذا حررناها من الخطوط الحمراء وأبعدناها تماماً عن الدم، والقتل وجعلناها وحدة محبة وبناء وإنتاج، وحدة قلوب وأرواح، وحدة اعتصام وتآخٍ..
إن أعداء الوحدة الحقيقيين أولئك النفر الذين عمدوها بالدم كما يزعمون وجعلوها خطاً أحمر ونسوا أن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم أمرء مسلم.. هكذا علمنا ديننا وأرشدنا رسولنا، أين هؤلاء القوم من هذه التعاليم السامية؟ لقد ظلوا سنوات يتفاخرون بذلك ويعتبرونه منجزاً عظيماً من منجزاتهم الخالدة. لقد كانون يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً، ولم يدركوا أنهم بعملهم ذلك قد وحدوا الأرض وفرقوا القلوب وجمعوا الأجساد وشتتوا الأرواح..
ستعود وحدتنا التي حلمنا بها وتغنينا لمقدمها وبكت عيوننا يوم ميلادها يوم أن يرحلوا عنا من هدموا معانيها وأفرغوا مضامينها من أجل تحقيق رغباتهم المريضة ونزواتهم الشريرة.. ستعود كما نريدها بيضاء نقية تجمع القلوب والأرواح وتحمل المحبة والإخاء والعدل والمساواة والتعاون والبناء والحضارة لا نعمدها بدم بل سوف نعمدها بالزيت. بزيت الصناعة والإنتاج، بزيت العافية والسلامة والصحة، وهذا لن يتأتى إلا إذا حررنا نفوسنا من ذكريات الماضي وفتحنا صفحة جديدة عنوانها "يمن خالٍ من الأحقاد".
تيسير السامعى
وحدة تُعمد بالزيت 1612