قررتُ قبل فترة أن أقوم بعمل تصوّر لكيفية هيكلة الجيش بدافع شخصي لا غير، فشرعتُ بالعمل مُتفائلاً وبحماسٍ لأهمية هذا الموضوع من وجهة نظري وبعد جُهدٍ مضنٍ وصلت إلى طريقٍ مسدود نوعاً ما بعدَ أن قارنتُ ما قُمت به بواقع القوات المُسلّحة.
سأختصر لكُمْ إلى ما وصلت إليـه نظرياً، فقد وجدتُ أن الهيكلة جُهد إداري فَنّي بحتْ، يعتمد بالضرورة على حصر الوسائط البشرية والمادية المفترضة للقوات المسلحة، غير أني أدركتُ أنَّ الإشكالية أعمق بكثير من ما كنتُ أتصور وأن الهيكلة ما هي إلا تَرفٌ نظري وعبث ومضيعة للوقت مُقارنة بحجم الإشكالية الحقيقية.
يجب أن نعترف أنَّ القوات المُسلحة بما هي عليه اليوم لا يُمكن أن نُطلق عليها مُصطلح جيش أو قوات نظاميه، فبالكثير يُمكن أن نُطلق عليها مجاميع مُسلحة شِبه نِظامية تدين بالولاء للمُؤسسين لها، فهي أقرب وصفاً للشركات الأمنية المجزئة.
إنَّ الوطن اليوم أكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى أن نكون صُرَحَاء معه، خاصة فيما يخُص أمنَهُ ووجوده وأن الاستمرار في عدم إطلاعه على حقيقة أوضاع القوات المسلحة أعتبرهُ دَجَلاً سياسياً وفي أحسن الأحوال هروباً من حجم الكارثة، فالنظام السابق كان حريصاً على أن لا يكون للوطن جيش مُتماسك قد يُهدد كيانه في أي مرحلة من مراحله، فسَعى إلى تشكيل وحدات أمنية عسكرية بمواصفات بشرية (ذوو مواصفات ثقافية تؤهِلهُم فقط للخضوع لهُ بِشكلٍ مُطلق) ومادية مُحدّدة خاصة أطلَق عليها مُسمّيات وطنية وخصّصها لحمايته الشخصية.. وفي نفس الوقت عَمدَ إلى إضعاف، بل وتدمير أي نواة لوحدات عسكرية وطنية كالقوات البحرية والجوية بطريقةٍ مُمنهجَة ووضع مخازن السلاح تحت تصرفه الشخصي بعد أن شَيَّدَ مُنشآتها في مقر إقامته ومفاتيحها بحوزته الشخصية إلى الآن, والغريب أني لم أجد زعيماً أو ملكاً لدولة في هذا العالم يخزن السلاح في مقر إقامته ويضع مفاتحها تحت مخدته سوى رئيسنا السابق.. وفقاً لهذه المُعطيات أرى أنّه مِنْ الصواب القول أننا بِحاجة وطنية مُلِحة إلى إعادة النظر في وضع القوات المسلحة بشكل عام وأن الهيكلة غير كافية وأن إعادة تأسيس هذه القوات هو العمل المُناسب، اليمن اليوم بدون جيش يهتم لأمرها، اليمن مُهددة في كيانها، فالشركات الأمنية تَمتصُّ مواردها وتقتل أبنائها وتحمي من يَدفَعْ لها، فقد تلقينا الضربات الموجعة مِنْ القاعدة وكثُر الطامعون في الوطن وازدادت مشاريع التقسيم وطموح الإمارات المستقلة، والأدهى والأمرّ أن تتحول اليمن إلى محطة لتصفية الحسابات الإقليمية، فإيران لم تعُد طامحة فقط بصعدة، بل اليوم تطمح في عدن وأمريكا تسعى لحسم معركتها مع أعدائها التقليديين في اليمن وإخواننا في الخليج يرقبون المعركة بِكلِّ أدب وفَنْ والشركات الأمنية تَمُدُّ يديها إلى مَنْ يَدفَع أكثر لتُعطِيه أكبر قِطعة من الوطن.. نعم يجب أن نعترف: اليمن بِلا جيش والهيكلة هروب من هذا الواقع المؤلم واستمرار في تخدير أبناء اليمن حتَّى لا يستيقظوا على هذا الواقع المُهين ويطالبوا بِبناء جيش، قوي يحفظ لليمن أمنه واستقراره فهذا أقلّ مطلب لأي وطن ويبدو أن هُناك من يريد أن لا يكون لليمن جيش حتى يسهُل شَرذمتها إلى ذرّات، ففي رصيدها التاريخي ما يؤهلها لأن تعود للحضارة والأمن والاستقرار هما شرطان للعودة إليها, لذلك حرصوا على أن تَظلَّ اليمن بِلا جيش ولا أمن حتّى تظَل في مستواها التاريخي السابق، قابعة في براثن التخلف، مُنشغلة فقط بقضاياها الأمنية وبالحفاظ على نفسها فقط من الانقراض النوعي.
وفي الأخير أقول لأصحاب مشروع الهيكلة من هم الذين ِستُهِيكِلُونهمْ؟ إن كنتم تقصدون هيكلة جيش اليمن فأوجدوه أولاً، فهيكلة العدم عدم، وإن كنتم تقصدون هيكلة الشركات الأمنية، فهيكلوها كيف ما تشاءون، ما يعنينا اليوم هو إعادة تأسيس جيش لِكُلِّ اليمن.. أما إخواننا في اللجنة العسكرية، فأقول لهم: هل تعرفون أين تقع مخازن أسلحة اليمن؟ وهل إذا علمتم أين مكانها هل ستدخلونها؟ أم أن مهمتكم فقط مسح تراب آثار المتارس؟ أريحوا ضمائركم لا تجيبوني أنا، فقط أجيبوا اليمـن.. وسلمتم من كُلَ سوء..
د/ عبدالله الحاضري
ما قبل هيكلة الجيش 1623