لن يرضخ الرئيس السابق ولن يستسلم إلا في حالة تمت فيها تجميد كل حساباته وحساب عائلته وأقاربه المالية والعقارية والاستثمارية في أوروبا وأمريكا والخليج، فدون وقف ومصادرة كل ما له صلة بمدخراته وثروته التي هي في الأصل مال عام لن يتوقف الرئيس السابق عن نشاطه وعبثه وتخريبه .
فالحال أن هذه الثورة الشعبية بقدر ما يحسب لها الإطاحة برأس النظام وفقا لاتفاق سياسي لا نتاج فعل ثوري كما في الحالات التونسية والمصرية والليبية ؛ فبذات القدر كانت قد منحته الحصانة والضمانة التي لم تقتصر فقط على تجنيبه مآل الرؤساء الثلاثة بل وأعطته مزية فريدة جعلته يحتفظ لنفسه بكثير من السطوة والقوة والمال والنفوذ وحتى سلطة القرار على الوزراء ورؤساء بعض المؤسسات والجهات العسكرية والأمنية والاقتصادية والنقدية والإعلامية والتي مازال ولاء رؤسائها للرئيس السابق .
وإذا كان المال يمثل عصب الحرب وفق تعبير ونستون تشرشل رئيس حكومة انكلترا أبان الحرب الكونية الثانية؛ فإنه وفي واقع كهذا يمكن للمال تخريب وهد كل جهد بشري يراد بها صلاح ما أفسده النظام العائلي القبلي .
حقيقة لا أفهم كيف لرئيس عاث وأقاربه وعصبته المحيطة به في البلد فساداً ونهباً وقتلاً وخراباً ومن ثم وبعد تنحيته وعزله بثورة شعبية مازال الرجل حراً طليقاً؟ إنني أعجب كيف أننا أهدرنا الوقت والتفكير في مسألة الموافقة أو الرفض للحصانة الممنوحة للرئيس السابق وفقاً لمطلبه وشرطه ومن ثم نجد أنفسنا في مواجهة الرئيس المخلوع ذاته ؟ ألم يكن هو من اشترط بتضمين مبادرة الخليج حصانة له ولأتباعه خوفاً من مصير مبارك ومعمر وبن علي وطمعاً بسلامته وثروته من المحاكمة والعقاب ؟ .
إنها والله لمهزلة حين يطلب الحاكم حصانة وضمانة إقليمية ودولية ليأتي لنا بعدئذ من نافذة تنظيمه البيروقراطي الانتهازي ليدمر ويعيق ويخرب كل ما من شأنه إنقاذ البلاد والعباد من حافة الانهيار والسقوط المحدقين بالدولة الهشة والمفككة والتي لا تحتمل أفعالاً عبثية خرقاء كهذه التي يمارسها النظام السابق .
إنها تصرفات لا تليق بشخص حكم البلاد 34 سنة، ناهيك عن كونها مسيئة ومهينة للملايين من الشعب اليمني ولثورتهم وكفاحهم وتضحياتهم وحياتهم التي باتت لا تطاق ، تصوروا خمسة ملايين إنسان في خانة المجاعة والفقر المدقع وبرغم هول الكارثة الإنسانية مازال صالح يظن إنه الرجل المعجزة التي لم ولن تتكرر.. هكذا أفهموه أنصاره وأقرباؤه الذين أوصلوه إلى مرحلة العته والخرف الذهني والسلوكي .
ليذهب اليمن وشعبه إلى الجحيم، ليهلك الجميع ويبقى الزعيم الأوحد، لتفشل حكومة الوفاق، ولتمزق كل صحيفة ومعاهدة وميثاق، ولتقطع الكهرباء ويضرب أنبوب النفط، وليبقى الوطن مجرد مساحة نهب وفوضى وخراب وإرهاب وقتل وخوف وووإلخ، لا شيء أهم من حياة الرئيس صالح وبنوه ومقربوه، النفط هو مكتشفه، والوحدة هو منجزها، ومال البنك المركزي في جيبه، والرئاسة حقه دون سواه، والمؤتمر هو مؤسسه والحرس والقوات الخاصة حق نجله، وقوات مكافحة الإرهاب والنجدة والأمن المركزي ملك ابن شقيقه، والطائرة والسفينة والمؤسسة الاقتصادية وبنك التسليف والبرلمان والقضاء وغيرها، فجميع هذه الأشياء ملكية خاصة بعلي عبدالله صالح، كيف لا وهي تحت تصرفه وفي بصيرته منذ عقود تجاوزت الثلاثة!! .
لا أعلم كيف لحاكم بسلطة مطلقة كتلك التي تمتع بها الرئيس السابق استساغة وقبول فكرة أنه لم يعد رئيساً؟، لا أعتقد أن المشكلة فقط بكونه لا يحتمل رؤية العاصمة أو دار الرئاسة من طلته وسطوته وهيلمانه، لكننا إزاء نظام عتيق مازال حماته وحراسه وأتباعه المخلصون يعتقدون أنه ما من قوة أو دولة أو هيئة أو سلطة في العالم بمقدورها إجبار صالح وحرسه وأتباعه على الرحيل من موطنهم، فلا يوجد ثمة نص وبند في مبادرة الخليج يحول دون رئاسة صالح للمؤتمر ودون معارضته للحكومة وللرئاسة الجديدة، كما ولا يوجد شرط من هذا القبيل مقابل الحصانة الممنوحة له من البرلمان .
نعم ليس لدينا ما يمنع ويوقف مؤتمرات المهزلة التي يعقدها عبده الجندي بين الفينة والأخرى، فكيف بنا الكلام عن رحيل رئيس يعد ذاته زعيماً وفارساً وقائداً ورمزاً وباراً وفلتة لا يجود بها الدهر مرتين ؟ ربما ساد الاعتقاد بأن الرئيس ونظامه ورموزه يمكنهم البقاء والاستمرار ما بقي الرئيس حراً طليقاً وما بقيت بيدهم أوراق البنكنوت والقوة والأتباع والموالون وحتى الواجهة السياسية (المؤتمر) الذي سينفذون من خلاله ويخربون ويعطلون ويدمرون كل فعل ثوري معبر عن رغبة اليمنيين بالتغيير .
مثل هذا الاعتقاد، ربما غفل حقيقة وجوهر النظام العائلي القبلي النفعي، فهؤلاء جلهم رهن بقاء أو رحيل الرئيس السابق، فصالح ونظامه لو أن لديهما مبادئ وغايات وطنية وديمقراطية وأخلاقية لما بقوا لحظة بعد قيام ثورة شعبية ولما عادوا ورئيسهم من النافذة وهم الذين اشترطوا الضمانة مقابل تركهم السلطة من بابها .
ولأنهم من الصنف الذي لا يخجل إذا ما طعن في سمعته وسيرته؛ فإنه ما من شيء سيجعلهم يرضخون للرحيل غير ثروتهم ومدخراتهم المودعة في بنوك الخليج وأوروبا وأمريكا، البرلمان الألماني بمجرد تلويحه بورقة المال المسروق الذي يجب تجميده وإعادته لليمنيين كان بفعله هذا قد دلنا إلى مكمن الخلل والضعف، لكننا ومع ذلك نعتقد خطأ بقسرهم على الرحيل ووقف العبث والتخريب من خلال اتفاق وحوار لا من خلال وقف وتجميد ثروتهم ونشاطهم المالي والتجاري والاستثماري .
محمد علي محسن
المال عصب الرحيل !! 2351