بعد مرور سنوات طويلة,عدت إلى الوراء, عدت بذاكرة تحتفظ بفترة من عمري الماضي، كنت أرمق مدرستي.. مدرسة التوفيق في قريتي (الجرين) في عزلة (بني سبأ) من مديرية يريم التي أحببتها وترعرعت فيها, وتنفست عبير هواها وشربت من ماءها, وأكلت من خيرات ترابها.
تلك المدرسة التي كانت ولا تزال بالنسبة لي الصرح الذي تعلمت فيها كل المبادئ العظيمة والقيم النبيلة التي اخضوضرت في جوانحي, واعشوشبت في أفكاري, وأثمرت في جوارحي, تلك هي المدرسة التي فيها تربيت وتعلمت ومنها تخرجت, زرعت حبها في عواطفي, ونقشت اسمها في جدار قلبي, هي لم تزل.. واسمها لم يتغير , وإن تغيرت ملامحها والتي أصبحت (وللأسف) شبة خاوية, كالدوحة الغناء , الذي ارتوينا من عذوبتها .
وإنما الذي يبعث الحسرات ويجعلنا نطلق الآهات, هو ما أصابها من الوحل والخراب والدمار, والذي آتى على كل شيء جميل فيها, فجعلها كالصريم ,و كعروش معطلة من كل ما هو مفيد.
شعرت وأنا أتصفح الماضي، بحنين العودة إليه، شردت بخيالي مستعرضاً صور حياتي, حين كنت طالباً صغيراً في تلك المدرسة.. وأنا أحمل حقيبتي على كتفي, متوجهاً إليها.
تذكرت زملائي الذي كنا نذهب سوياً إلى المدرسة , تذكرت أساتذتي الأفاضل الذين لا أزال أتذكرهم وأكن لهم كل الحب والتقدير , تذكرت غرف المدرسة التي كانت تحتضني للدراسة فيها.
تذكرت المواقف المختلفة , والشقاوة البريئة , أوقات اللعب , والتنافس والمثابرة والجد ,وازدحام المدرسة بالتلاميذ ونشاطهم وأشياء كثيرة لازال أتذكرها , والتي تجعلني أبتسم فجأة كلما أتذكرها لكن حين أعود إلى حاضري.. وأنظر إلى واقع مدرستي والتي أصبحت عبارة عن مثالاً صغيراً لما أصبح عليه واقع التعليم في بلادنا, أصاب بمرارة عميقة تصعد من أعماق قلبي.. تبدد بسمتي وتحولني إلى كتلة ألم صادقة ..
إذ لم تعد مدرسة التوفيق كما كانت.. لم يعد هناك ازدحام أو اهتمام , تغير كل شيء إلى اللاشيء , فالطلاب أصبح عددهم بالعشرات, حال المدرسة يبعث على الحسرة لما وصلت إليه, فالنوافذ مكسرة, والأبواب مخلعة, حتى الأدوات التي كانت في المدرسة تم بيعها من قبل أحد من استلموا مهام إدارتها , بل لا أبالغ إذا قلت إنها لم تعد صالحة للدراسة والتعليم فيها , فمدرستي أصبحت كبيرة السن , أكلها الدهر بكلكلة, جعدها الزمن, ورسم عليها ملامح وأمارات الشيخوخة, لعدم الاهتمام بها .
لقد شعرت بشكواها لي.. كأحد تلاميذها, وبين الحنين والأنين, وقفت (أنا) أصطلي آهات الحسرة, وتواسيني آمال مستقبلية أن أحسن إليها, وأبريها حين أتمكن من ذلك أن شاء الله .
وبألم شديد , أغلقت باب الذكريات ...وعدت إلى سماء (قريتي) التي أتغيب عنها بين الحين والأخر , عدت وأنا أتساءل هل ستصلح مدرستي وبقية مدارس الجمهورية , هل أرى قريتي التي حرمت (وللأسف)من كل أساسيات الحياة من الهاتف ومشروع المياه والطريق , الذي سنتحدث عنهما لاحقا في أعداد قادمة إن شاء الله .. وفيها مدرسه وتعليم يليق بنا كيمنيين نعيش في القرن الواحد والعشرين , هل لي أن أرى أبناء وبنات قريتي وهم يذهبون للتعليم في المدرسة بدلا من التسرب المخيف من التعليم بسبب عدم وجود مدرسة .
كم نحلم بوجود مدرسة للتعليم الأساسي والثانوي للبنين والبنات , والتي نحن على يقين بأن هذا الحلم لن يطول بإذن الله .
أسئلة نضعها بين يدي الجهات المختصة والمتمثلة بمكتب التربية في محافظة (إب) وكذلك مكتب التربية في مديرية يريم ... لعلنا نجد التجاوب في ذلك ... قبل أن تتحول المدرسة إلى خبر كان , كون المدرسة من أوائل المدارس التي بنيت في المنطقة, وتتميز بمبنى معماري لا بأس به
ياسر الجابري
حنين ...وأنين !ا 1965