أبين.. لحج.. عدن محافظات مثلث الموت.. هذه المحافظات الجنوبية شهدت وما تزال حتى اليوم تشهد أحداثاً دراماتيكية متسارعة ولاسيما ما يجري في أبين بصورة خاصة، الذي يمكن اعتباره شيئاً محزناً ومخجلاً والسكوت عليه جريمة لا تغتفر لمأساوية أحداثه التي هي أشبه بأحداث المشهد العراقي، بل أشد سخونة فيما تحدثه من خسائر بشرية ومادية وإثارة الخوف والهلع والعنف والدمار والتخريب..
وعلى الرغم من أن الوطن اليمني قد عاش أحداثاً جسام وصراعات مريرة وخصوصاً في محافظات الشمال، إلا أن الأحداث المأساوية في الجنوب كانت أكثر مرارة وأشد قساوة أيضاً.
إن ما يحدث في محافظات مثلث الموت في الجنوب خاصة وغيرها من محافظات الوطن عامة أمر مأساوي وشنيع، لذا فإن أي حديث عن حوار وطني يسبق حل مثل تلك المشكلات لن يعتبر إلا بمثابة حوار بلا مضمون ومن الذي سيقبل به، خاصة من أبناء عدن ولحج والضالع وحضرموت وشبوة والمهرة وصنعاء وتعز وغيرها من محافظات الوطن بصورة عامة بحوار هزيل كهذا لا يبحث إلا عن شرعية مفقودة.. فالتحرير وحل تراكمات هذه المعضلة هو المهمة الأولى قبل أي حوار وطني ومن يسع للسير باتجاه ذلك الحوار، فإنه كمن ينصب طاولة الحوار فوق جثث وأشلاء أبناء محافظة أبين ومحافظات الجنوب، خاصة وفوق صرخات الأمهات الثكالي ومعاناة المشردين من نازحي أبين لأكثر من 10 أشهر حتى اليوم ولا أعتقد أن يقبل أحد من أبناء الجنوب أو عقلاء الشمال بهذا الحوار في ظل هذه الأوضاع المخيفة والمحزنة والمزرية..
إن القضايا الوطنية لا تحسمها الأحزاب والمنظمات والتنظيمات من خلال رفع الأيادي بالتصويت اللاعادل حول تلك القضايا، حيث مر أكثر من 20 عاماً والجنوب يعاني وقضيته قضية وطن لا يستطيع أحد أن يتجاهلها مطلقاً.
وقد يظن البعض بأن تسليم قيادة اليمن لشخصيات جنوبية لهما وزنها واحترامها هو الحل، لكن وزن الجنوب وقضيته لا تختزل في شخوص هؤلاء ولا يمكن أن يستمر من يحاول إقصاء وتهميش أبناء الجنوب وعدالة قضيتهم.
إن من يقبل أو يسير باتجاه طاولة الحوار فإنه كمن يذهب لاستلام شهادة وفاة لمستقبله السياسي كان حزباً أو شخصية سياسية مستقلة، فالعالم اليوم صار يدرك حجم معاناة الناس في أبين ومناطق الجنوب، ولكن بعد تحرير أبين من المسلحين وإعادة الحياة إلى طبيعتها فيها وفي محافظات الجنوب،يمكن أن يبدأ التحضير لحوار حقيقي، وقد لاحظنا مؤخراً وفي ظل الظروف المعقدة مسارعة البعض إلى تشكيل أحزاب ظناً منهم أن طاولة الحوار ستحسمها الغلبة وكثرة التمثيل.
إن من يعمل على عدم الاعتراف بالجنوب كشريك أساسي إنما يعمل على ضياع الشمال وعلى كل العقلاء إدراك حجم المسؤولية التاريخية قبل قوات الأوان، فيقال إن نصف العمى أهون وأفضل من العمى الكلي ولقد أصبح الوطن أشبه بصفيح ساخن وثلاث ثورات وديمقراطية لم تلبي أو تحقق الطموح المطلوب والتطلعات المنشودة ويجب على الجميع إدراك أن المراهنة على الخارج تعتبر عاملاً مساعداً خصوصاً في جانب الدعم والمساعدات، لكنها لا تعني الحل كله والوطن مليء بالخيرات والثروات والموارد، ولكن لدينا "قربة" مثقوبة، فهل يدرك الجميع أن اليمن على مرمى حجر أو قاب قوسين أو أدنى من أبناء يمن جديد ومعافى، بل دولة مدنية حديثة؟.. أم أنه سيبقى يمناً ممزقاً كما مزق جسد أبين التي شرد أهلها والتي يعتبر سقوطها وضياعها هو سقوط وضياع وطن بأكمله لأن أبين هي حزام الوطن وقلبه النابض وبدونها على الدنيا السلام، فلا حوار ولا سلام بدون أبين الشامخة شموخ جبالها وعظمة رجالها الشجعان.. لا حوار قبل أن تلتئم جراحها وقبل أن تفتك من أسرها الإجباري ممن يحاول البحث عن الصندوق الأسود المفقود تحت ركامها وحتماً ستنتصر طال الوقت أم قصر، لأنها عصية وستنهض كما تنتفض العنقاء من خلال الرماد.
فلتتضافر الجهود من أجل رفع الظلم عن أبين خاصرة الجنوب وعروس البحر العربي، ومن أجل رقعة السعيدة، لابد من حل لغز أبين قبل البدء في الحديث عن حوار طرشان لا يضع أبين ولادة الرجال والقادة نصب عينيه ومعه حل معضلات الجنوب والوطن بأكمله وإن سألت عن وطن بغير أبين تجده وطناً بلا هوية وبلا روح والشكر لكل من بدأ وقام بتأسيس جمعية من أجل أبين العزة والشموخ والتاريخ ولكل من سخر كلمته من أي موقع كان للدفاع عن أهلها واستعادة تاريخيها ومجدها وإن كاد الكائدون.. فلا حوار يسبق تحرير أبين وقبل الكف عن رفع الأذى عن مثلث "أبين، عدن، لحج".. وحل معضلات الوطن بأكمله.
حيدرة ناصر الجحماء
لا حوار قبل تحرير أبين 1963