جاء خريف الحكام لتهب رياح التغيير فتتساقط أوراقهم في متوالية مستمرة كفصل جديد في ثورات وصفت بالعاصفة العنيفة التي اقتلعت زعماء دول العالم الثالث بعد فترات طويلة من إحكام قبضتهم على كراسي الحكم واحتكارها وجعلها ميراث سنوات من النضال باسم الكفاح ضد أعداء الوطن والأمة.
نعم إنه الخريف الأعنف والأشد في تاريخ العروبة، دول المغرب شهدت مفتتحة المشهد بمحرقة تهز كيان ومشاعر الأمة, محرقة البوعزيزي البطل، لكنني أقول إنني لم أكن حينها على درجة كبيرة من التأهب والاستعداد بمعنى كان مفعول التأثر نسبياً..
فسرت في طريقي غير مصدق أو متوقع أن يحدث ما لم يكن متوقع ولا في الحسبان, رحيل رقم واحد من نوع خاص.. رحيل مفاجئ للجميع, أتنفس الصعداء أنظر يمنة ويسرة وتظل أمنية عالقة مترسخة خالية من الانتقام تلاحقني الأمنيات أن يفهم الآخرون الدرس الأول والأقوى, وفي لحظة غفلة.. أم الدنيا في شارع التحرير تتلخبط الأفكار، يحاول الزعيم, وهو يظنها حتروح بمجرد وعود ذهبت مع أدراج الرياح.. فيهدأ الشارع ويرتاح, لكن في القلب منها شيئاً مؤسفاً ومحزناً شيئاً ما, تتربص بنا الموجة وتداعب جفوننا لنستيقظ على موال رهيب ومازلت على حالتي يا ليت قومي يعلمون يفهمون يستيقظون, تبدأ وفود المهزلة تتوافد وتعاند تكابر تهزأ تستكبر, لسنا مثلهم لسنا سواء نحن أمة لها تميزها واختلافها الجوهري, خطابات متشنجة نتج عنها أعمال عنف وصلف جعلني حقيقة أتعرف ومن واقعنا على النفوس المريضة والفؤوس الحاقدة, لأعلنها توبة عن أمنية ووفاء بحت له حناجرنا وضاقت به أحوالنا, ساءت الحياة ليحتدم الصراع بين طرفيه ويختل التوازن لينسف مرحلة التكافؤ ويحشرها في دائرة ضيقة تختزل فيها مجريات مؤلمة أحالتها يد الغدر لتعبث بجمال وروعة المكان تطلق صيحات عقلاء تعانق الفضاء, تنتهي حيث انعدام تغطية شعب يرزح تحت ويلات وعقابات لتكون بين سطورها حرائق تاهت مداميك الصراع في حلقات ودوائر المكر السيئ والأسوأ.
قذفتنا الأيام بفصول مشاهد دموية سالت بها أزقة وطرقات المدن.. فتظهر جرذان من حشيش الأفغان, يترنح الجسد بطلقة تخترق جدار البطش والتنكيل, لماذا يحدث كل هذا؟ تساؤلات تلو التساؤلات لماذا يبكون بين أيدينا؟, لماذا نحن عديمو الرحمة؟ رغم التوسلات رغم المناشدات كلها كركلات الجزاء المقصودة ومخالفات أردت الحياة في قواميس اللغات وبين دفاتر النسيان.
غنت الدنيا وابتهجت قامت ولم تقعد هامت على وجهها بعد انفراط عقدة الحكام المسبحة بحمدهم, وذهاب رئيس رؤساء وزعيم الزعماء وملك الملوك تكاثرت الألقاب والجرذ واحد, قلتها عسى فقتلتها سياسة الغبي بكبسة رز وضغطة تشيكن مذبوح بالطريقة الجندية في مطاعم الشامي والتلفيق الإعلامي, واسكافي الصوفي لعالم الخياطة والترقيع, فتضيع الحقيقة وتذبح على أفخاذ جامعة الصمت الغربية ومجلس الغبن, رغم الضر وف القاسية والمؤلمة وبين الأتربة المتصاعدة هناك، حيث اللغز السادس وحيرة الشك وريبة الموقف محاطة بمشاعر العطف, ظل الأمر متقلباً لينتهي بين أحضان النظام في علاقة طرديه توضح أهمية كلاً منهما للآخر, وعلى إيقاع الموت وحنحنة رعوده يتوقف بنا الزمن حيث المفاجآت في موسم المكاشفة وحصول الحقيقة وتجرد الموقف .
الحقيقة القاتلة لا تظنها ذات مفعول جرثومي مميت أو إشعاع نووي، لكنها رسالة حرة وكلمة تدور وتثور لتعلن بلاغاً في همهمات تروي حكاية مشاعر أمة أجدبت وتفتت وضاعت وكلها منشأها حكاية الحاكم الظالم في عالم النفط من أقصى المغرب إلى الجزيرة شمالاً شرقاً غرباً أنى توجهت تشاهد لتكون شاهداً في محاكم الربيع لتمثل أمام العدل وسيف الدولة المصلت على مصاصي الدماء.
قد يظن بي أحدكم أن هذا حقد أسود من نوع عابر للقارات يعبر المحيطات.. يحوم حول حدود دول العروبة والاغتراب لينفجر في منطقة الشرق الأوسط، حيث يكون الانتظار قريباً من محطات ديمونا على شواطئ يافا وأزقة جنين ومروج الخليل, لينهي المسلسل والابن المدلل, ستظل مجرد أمنية ارجو أن تنموا وتترعرع بعيداً عن الأماكن المرتفعة عن الجولان المحتل.
قفوا أيها الحكام عامة وأنت يا علي صالح خاصة.. تفكروا وكرروا ثم قرروا وفروا منا إلى حيث لا نراكم، فلا تحجبوا عنا بدخانكم شمس الحرية والانعتاق.. وتذكروا بدايات رحلة الراحلين والزاهدين.. أما علي صالح لقد ولد فقيراً وسيموت محروق الجسد بلا قلب خال من ضمير الوطنية والجغرافيا والتاريخ, لذا تساقطت أوراقكم في خريفكم الماضي.
لقد خاب ظننا بكم.. كذبتم فصدقناكم خيراً قواد ورواد حضارة أمة الإسلام والعروبة, غدرتم بنا صبرنا فظننتم بنا الجبن والخوار, صابرنا فدفنتمونا أحياء، رابطنا فقتلتمونا ولم تفرقوا بين صغير ولا كبير بين رجل وامرأة, أعطيناكم الفرص فكان نصيبنا القتل والقصف والقنص, ناداكم الأقصى فبعتم بدون ثمن وادعيتم نصرة القضية، فكنتم لها الضربة القاضية, ذبح العراق ودماء شعبه يراق فرقصتم على نغم الصورة بلا رحمة ولا إشفاق, ظنناكم أبطالاً تصنعون أوطانكم وتنشلونهم من وحل الموت ورائحة الدم فأبيتم إلا أن نكون كقطعان من غنم مسالم, أبينا فكنتم بالمرصاد ووكالة دولية من الجاسوسية واستنفار وحالة طوراي في أنحاء البلاد, عشنا الحياة ببساطة رضينا بالقليل فكان شعار حملاتكم الهمجية تسرق خيراتنا وتقتل ابتسامة الأمل البسيط, عشنا على كف عفريت نتقلب في صحراء الجهل والظلام, لنكون شموعاً تحترق من أجل الوطن فتأبون وتكرهون بصيص نور بعث الأمل في نفوس الحيارى لتفتك بها تجارتكم المزايدة بحياتنا ومجدنا على حساب أبناءكم.
أقول ختاماًَ: إننا هنا موجودون.. نرقب فجر ثورتنا الخالدة والتي كان ميلادها 21 من فبراير، سنكون سعداء بما سننجزه وبأقلامنا سنوقف شبح الحرب ونزيف الدم المراق غداً .. أليس الصبح بقريب؟ تصبحون على وطن جديد..
رسالة إلى الوطن:
الثورة حققت وأنجزت بعض أهدافها وهذه تحسب نقطة نظام.. وأهمها ظهور مجموعة من الإعلاليين الذين يصبون جام غضبهم، يسبون ويشتمون، يهرفون بما لا يعرفون.. المهم لا ننكر أن هناك أهدافاً تحققت ولو بنسب جزئية.. والسبب يعود إلى أولئك السابقين الأولين الذين يدعون أنهم أطلقوا صفارة البدء للانطلاق نحو التحرر.. وللأسف نجد أنهم يسبقون بلاطجة صالح إلى إصدار الاتهامات والأحكام الجائرة والمجحفة بحق الشهداء والأحرار جميعاً.. دعونا من إصدار الفتاوى ولنتجه جميعاً لاستكمال ما أنجزته الثورة.. أما بالنسبة لخوفكم على الثورة.. ففي الساحات والميادين الخبر اليقين.. الثوار مستعدون ولو لسنة ثانية ثورة.. وثالثة ورابعة.. واثنتين دعائه واحدة للحوثي والأخرى للقاعدة.. والموضوع قابل للزيادة.. ونقولها بملء مساحة الربيع العربي: سنثبت أننا مشروع ثوري في حالة تأهب مستمر لإنقاذ الوطن.. ولن نتراجع ولو قابلتنا فوهات المدافع.. والذي ما أعجبه الخبر.. يشرب من ماء البحر ويصلي ركعتين في جامع الصالح ويحمل سلاحه وينزل الميدان.
عبدالسلام عبدالله راجح
لحظة يا وطن 1723