اختلاط مشاعر الألم والحزن بروح الثورية المقتولة، برصاصات الغدر والخيانة العائلية، والشعور بالكرامة المستعادة بأثمان باهظة، ونشوه الانتصارات الوهمية للبعض، واستعجال البعض الآخر قبض ثمن الدماء الزكية، وبيع ما تبقى منها في أسواق النخاسة والرق والتبعية، بيعة سارق رضى بالثمن الزهيد،وتفنن في ترويج القيمة ليغطي على عار الخيانة.
خطوط حمراء واضحة تفصل القوى المتناحرة تحت عباءة الثورة، بين تهم التخوين المروج لها على كل الأصعدة، والمتشدقين بها طبعاً أبطال الحروب المذهبية، وفعلية الوفاء للكرامة المستعادة على استحياء، بأسلوب الممارسة وإحراق المخططات، وإفشال الإستراتيجيات المرتبة بين قوى خارجية وداخلية تنتظر الفرصة السانحة لاستعادة أملاكها المسلوبة وحرق الأوراق بعد خلطها، وتقسيم الإقطاعيات كما وعدت بأربع أو خمس دويلات متناحرة، تجمعها أسرة مالكة.
هي آهات أحزان وتنهيدات وطن ، يتنفسها سكان الخيام ويبكيها شباب الثورة في ذكراهم الأولى للمجزرة النكراء والجريمة الشنعاء التي حدثت في جمعة الكرامة 18 من شهر مارس العام الماضي، ذلك اليوم الدامي الذي نزفت فيها ساحة التغيير أزكى الدماء الشبابية الطاهرة، للتفتح بعدها جراحات الوطن النازفة منذ الأزل، وتركت أبواب الأحزان مفتوحة لآلاف الأسر النائحة على قريب أزهقت روحه برصاص غادر يخرج من نيران الحقد القديم والكراهية المتسترة بصورة البراءة النظامية النجسة.
اهتزت الأرض وحق لها أن تهتز وتألمت البشرية من هول الفجيعة، تحركت الضمائر الميتة واستعادت حيويتها،بكى الشيوخ في الريف قبل الحضر, اتشحت الأمهات بالسواد وعزفت النساء معاني الحداد، ومهما يقال في وصف المأساة والحزن الذي عم اليمن فلا نستطيع وصف عظم المصاب الجلل.
شعر الجميع بمرارة الخطيئة التي لا تغتفر لنظام مزيف، فكانت دماء الشهداء لعنة الله على النظام، ليضع الجنود الميامون رتبهم العسكرية تحت أقدم الشباب معلنين جيشاً حراً وطنياً، يحمي الثورة ويلتزم بسلميتها، من أقصى شرق الجنوب إلى أدنى شمال الغروب.
وهبت رجالات اليمن شيوخها وقبائلها وأحزابها منضمين طواعية للثورة الشبابية ومناصرين أوفياء لأرواح الشهداء، وكانت بركات السماء على شباب اليمن تؤيد ثورتهم على كل المستويات من الوزراء والسفراء والساسة حتى رجال الدين ومشايخ العلم.
لم يرق هذا لبعض الأطراف كما صعب على النظام العائلي تخلي أنصاره عنه،ففكر وأدبر وتلاعب وتهرب وكال الاتهامات، وأراد الإطالة في عمره السلطاني حتى وإن اقتصرت سلطته على سبعين القصر، وتحقق له ذلك إثر تعقل مفرط للساسة والقادة العسكريين، وطول النفس والروح الشبابية العالية.
إن الحكمة الإلهية في طول حكم الرجل المريض، رغم سقوط شرعيته يوم الكرامة، وانتهاء كل احتمالات البقاء، تتجلى في الذكرى الأولى لتلك الجريمة،ونحن نسمع ونرى رجال السلطان وبقايا النظام يتباكون على شهداء الكرامة،يشاطرهم الحزن تجار الأوطان، يغنون مواويل الحزن في عبارات التخوين، ويهمزون ويلمزون أنصار الثورة عسكريين وأحزاب وقبائل ووزراء وسياسيين.
إن المتباكين على دماء الشهداء كثيرون والحقيقة أنهم لا يبكون على الشهداء كما نعتقد، إنما يتباكون على (العلي والحسين) بعد أن جمعتهم المصلحة المبطنة وفق قاعدة" عدو عدوي صديقي " وما التمثيل المنظم والكلمات المنمقة التي تصف الخيانة وتروي مشاهد الحزن والألم وترمي التهم صوب اتجاه واحد، لخير دليل على اجتماع المصالح حتى وإن كان مع صالح.
وتتضح اليوم الخيانة لدماء الشهداء من الوفاء لهم، وبخطوط عريضة وحمراء، فمرتكبو الجريمة هم من يتباكون بخشوع يدعو للسخرية والثائرون بالأمس والمتحمسون للحسم الثوري هم اليوم يدافعون وبكل وقاحة عن النظام العائلي والأسرة.
ولو حسبنا بمنطق الربح والخسارة والبيع والشراء، ففي ما قبل وما بعد الكرامة الجواب الشافي لكل مرجف إن كان له قلب، وكل متحذلق إن بقي لديه بعض من العقل.
فلوا أجرينا المقارنة لما قبل الكرامة وتابعنا الأحداث التي سبقتها والتحذيرات لعرفنا أنها مخطط عائلي بتوافق سياسي مع أطراف خفية هي اليوم أكثر بكاءً.
أما بعد جمعة الكرامة فأحداث صعدة وتسليم مؤسسات الدولة ومعسكرات الحرس للجماعات المسلحة والانسحابات المشبوهة، لشيء يدعو للشك، أما أحداث الجوف وتوسع تلك الأطراف في ليلة جمعة الكرامة بعد أن هيئت الظروف المناسبة والتسهيلات المجانية وبقرارات سرية من علي صالح ونظام .
إن موقع الصفراء بمحافظة الجوف خير شاهد على دماء الكرامة التي سفكت هناك بأيدٍ طائفية وبإيعاز من النظام العائلي، والتوسع في محافظة حجة وتلك الدماء التي تسفكها المليشيات الطائفية كي تتسلم شمال الشمال كما وعدهم سيدهم وراعي نعمتهم.
وتتضح الخيانة بين من اتخذ الثورة ستاراً كي يتوسع عسكرياً في المحافظات بعد استلام المعدات العسكرية من النظام العائلي، وتاجر بدماء الشهداء وباعها للخارج عمالة وخيانة، وهاهم اليوم يسعون لتلفيق التهم والهمز واللمز بالجيش الحر والقبائل المؤيدة للثورة والأحزاب السياسية ليس لأسباب مقنعة فقط، لأن ثمن الدماء استلموه أرضاً في حجة والجوف وصعدة.
اليوم بقايا العائلة تتعهد بالوفاء لدماء الشهداء وتطالب بكشف مرتكبي المجزرة والإخوة أنصار...... يصفقون بحرارة ويهتفون بالروح بالدم نفديك يا علياه ويا حسيناه ويا مليكاه، أي خيانة في ذكرى الوفاء وأي حماقة لهؤلاء؟.
وليس المقام أو المقال مناسب لعرض الحقائق وإجراء المقارنات، لكن الحزن وذكرى المجزرة تجعل من الحمقاء صناع تغيير ومن القتلة حمائم سلام ومن الطائفية دولة مدنية بمرجعيات إيرانية.
لن تتحقق أحلامهم مادام في اليمن شباب وفي الساحات الآلاف من أمثال شهداء الكرامة والسائرين على درب الحرية والمرددين أذكار الصباح والمساء، مع هتافات المجد لليمن والخلود للشهداء.
mthyemen@gmail.com
معاذ راجح
خطوط حمراء بين الخيانة والوفاء لكرامة الشهداء 2079