شكلت جمعة الكرامة منعطفاً مهماً في تاريخ الثورة اليمنية ليس فقط لأنها مثلت البداية الفعلية لتدويل القضية وكشف النقاب عن حقيقة النظام الذي ظل يحظى لسنوات طويلة بدعم وتأييد إقليمي ودولي، بل أيضاً لأنها اعتبرت البوابة الرئيسية لانضمام الكثير من القادة والشخصيات البارزة إلى الثورة.
اللواء/ علي محسن الأحمر ـ قائد المنطقة الشمالية الغربية وقائد الفرقة الأولى مدرع كان أبرز هؤلاء المنضمين وأول القادة العسكريين الذين أعلنوا تأييدهم للثورة ودعمهم لها، فبعد يومين فقط على مجزرة جمعة الكرامة الآدمية خرج اللواء/ علي محسن ليعلن دعمه وتأييده السلمي لثورة الشباب السلمية، ما فتح الباب أمام العديد من القادة العسكريين وألوية الجيش للسير في نفس الطريق وإعلان الانضمام والتأييد، مثل اللواء/ محمد علي محسن ـ قائد المنطقة الشرقية واللواء/ محمود القشيبي ـ قائد اللواء 310 مدرع وغيرهم الكثير..
انضمام اللواء/ علي محسن للثورة وتأييده للشباب أثار موجة كبيرة من التساؤلات والآراء ووجهات النظر المختلفة وحول الدافع الحقيقي وراء هذا الإعلان، لينقسم الناس على إثره ما بين مؤيد ومشكك ومحايد.. ووقوفه إلى جانب الشعب حتى تحقيق كافة مطالبه وأهدافه، فالبعض وقتها آثر التزام الصمت والانتظار لمعرفة ما ستظهره الأيام من خفايا ونوايا الرجل، فيما شكك البعض الآخر في مصداقية كلامه وصدق نواياه.. فالرجل في نظرهم أبعد ما يكون عن ذلك، فهو يُعد أحد أهم أعمدة الحكم وأبرز أركانه التي اعتمد عليها صالح طيلة فترة حكمه، والذراع الأيمن التي كان يستند عليها وقت الشدائد ويتكئ بها عند الأزمات، وللتأكد من ذلك برأيهم لا يلزم سوى العودة إلى الوراء كثيراً وبالتحديد إلى الأشهر والسنوات الأولى من عمر النظام، لمعرفة حجم علاقته بنظام صالح ومدى ارتباطه به، فعلي محسن قام بإفشال العديد من محاولات الانقلاب ومؤامرات الانفصال التي قامت بها بعض الأحزاب السياسية والقوى العسكرية ضد نظام حكم صالح ـ حد قولهم ـ كما حدث في الانقلاب العسكري الذي قام به الحزب الناصري بقيادة "عيسى محمد سيف" قبل مرور مائة يوم من تولي صالح للحكم، ليجهض علي محسن تلك المحاولة ويحول دون استيلاء قادة الحزب على العاصمة التي لم يكن صالح متواجداً فيها وقت حدوث محاولة الانقلاب، حيث كان في زيارة لمحافظة الحديدة ولمعسكر خالد بن الوليد في محافظة تعز وقتها.
كذلك بحسبهم فإن علي محسن كان من أشد العسكريين الذين عملوا على التصدي للحركة العسكرية في الجبهة الوطنية ذات الاتجاه الماركسي في حروبها للاستيلاء على الحكم عبر إسقاط مناطق الريف من خلال حروب متفرقة، بعد أن فشل الانقلاب الناصري عام 1979.. وفي حرب صيف 94م كان اللواء من أبرز القيادات العسكرية التي استطاعت ترجيح كفة الرئيس صالح في حربه مع الانفصاليين.
هذه المعطيات وغيرها الكثير برأيهم تظهر حجم المصالح المشتركة والعلاقات المتبادلة التي تجمعه بالنظام وحاجة كل طرف للآخر، ما يجعل منها من أمر التصديق والوثوق بما قاله القائد العسكري أمراً مستحيلاً.
لكن بالمقابل ورداً على هذا الكلام إذا عدنا بذاكرتنا للوراء قليلاً وبالتحديد إلى الأشهر الأولى والوسطى من عمر الثورة، سنرى أن القائد العسكري تعرض لثلاث محاولات اغتيال ممنهجات وخطط لها سلفاً من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة لنظام صالح وذلك بحسب البيان الصادر عن المركز الإعلامي التابع لقيادة الجيش المنضم للثورة.
بطبيعة الحال لو كان لصالح مصالح وعلاقات مشتركة مع اللواء لما أقدم على مجرد التفكير في تصفيته جسدياً كما يفعل دائماً مع خصومه ومعارضيه السياسيين والعسكريين التقليديين علي محسن برأي الكثيرين وقف مع النظام كمؤسسة حكم وليس مع صالح كفرد يحكم ودافع عن نظام صالح عندما كان صالح ونظامه مع الشعب وكان الشعب مع صالح ونظامه وليس العكس.
هناك أيضاً من شكك في حقيقة الإعلان لكن من منظور آخر.. حيث رأى أن هذه الخطوة هي مجرد محاولة من قبل علي محسن لإخلاء مسؤوليته أمام الشعب عن هذا النظام الذي أصبح محاصراً من قبل شباب الثورة بعد أن رأى بنظرهم أن الوقوف في صفه في هذا الظرف الحرج يُعد انتحاراً مؤكداً ومجازفة حقيقية لا طائل من ورائها سوى الملاحقة القانونية والمحاسبة القضائية بعد نجاح الثورة ـ على حد قولهم.
هذا الإدعاء نسفه تماماً البيان الصادر عن مركز أنصار الثورة وقتها والذي أكد فيه وجدد التزام اللواء/ علي محسن بوقوفه أمام القضاء ونفى ما تناقلته وسائل إعلام صحيفة بشأن طلبه أن تشمله الحصانة التي مُنحت لصالح، واصفاً تلك الاتهامات بأنها محاولة من قبل من تلطخت أياديهم بالدماء لإسقاط عُقدهم النفسية على الآخرين على قاعدة" رمتني بدائها وانسلت"، كما أكد القائد العسكري شخصياً في حوار له مع قناة الجزيرة في الثامن عشر من فبراير الماضي استعداده للمثول أمام القضاء في حال طُلب منه ذلك كشاهد أو حتى للمساءلة القانونية ـ حد قوله.
لكن أهم ما قيل في هذا الجانب هو ما تم تداوله من قبل البعض من أن الهدف الأساسي الذي دفع علي محسن للقيام بهذه الخطوة الجريئة هو رغبته في تصفية حسابات قديمة بينه وبين صالح في وقتٍ أصحبت فيه الفرصة ملائمة للتشفي والانتقام، خاصة بعد التهميش المتعمد من قبل الأخير والتحجيم الواضح لدور القادة العسكريين التقليديين الذي بدأ ينتهجه ويمارسه ضدهم منذ عام 94م مع دخول أبنائه وأبناء أشقائه هذا المعترك العسكري وإمساكهم بزمام الأمور العسكرية والأمنية لتبدأ معها بوادر الإقصاء تدريجياً حتى مرحلة حرب صعدة التي ألقي اللواء/ علي محسن في أتونها ليُصبح هو العدو الحقيقي للحوثيين وليس صالح كما كان يُشاع في الأوساط السياسية، مع دفع القائد للقيام بهذه الخطوة بعد أن جاءته الفرصة على طبق من ذهب وربما لا تتكرر مرة أخرى ـ بحسبهم ـ كما أن الوثيقة السرية التي تُعد الأخطر في حياة الرجلين شكلت الضربة القوية التي وسعت الشرخ بينهما.. حينما كشفت وثيقة سرية سُربت من الخارجية الأميركية نشرها موقع "ويكليس" أن القيادة العسكرية اليمنية زودت الطيران السعودي بإحداثيات المقر العام لقائد المنطقة الشمالية الغربية اللواء/ علي محسن بغية قصفه على أنه موقع للمتمردين، لكن الطيران السعودي أجهض العملية في اللحظات الأخيرة قبل القصف بعد اكتشاف الخدعة، ما جعل السعوديين بحسب الوثيقة أكثر حرصاً في تعاملهم مع توصيات الاستهداف التي تُرفع إليهم من قبل الجانب اليمني، وقد أكدت هذه الوثيقة مدى الانشقاق الحاصل بين الرجلين لدرجة محاولة اغتيال اللواء والتخلص منه، وهو ما جعل القيادي العسكري يُعلن موقفه الأخير في الانشقاق والوقوف في صف الشعب، لكن الأغلبية أكدوا أن إعلان محسن الانضمام للثورة لم يكن بدافع الانتقام كما أوردته وثائق "ويكليلكس"، فمن يعرف الرجل يُدرك جيداً أنه يقف مع مطالب الناس في كثير من اللحظات التاريخية التي أثبت فيها أنه الكف التي ترجح دائماً مطالب الناس.
تبعت خطاب التأييد أمواج هائلة من التشكيك في جديته أوقفها الانتشار الفوري لقوات الجيش المؤيد للثورة على طول مداخل ساحة التغيير وعرضها لحمايتها وتأمين منافذها وعلى بعض شوارع العاصمة وأحيائها، وعمل سياج أمني ودروع بشرية على امتداد خط المسيرات والمظاهرات المناهضة، وإجبار القوات الموالية لصالح على الانسحاب والتراجع فوراً عن تماديها في قتل وقنص المتظاهرين كما حدث في الأربعاء الدامي في حي القاع وجولة كنتاكي.
إلا أن أهم ما يُحسب للقائد العسكري في هذه المفصلية هو تحاشيه الدائم انزلاق البلاد في حروب أهلية ومواجهات عسكرية لا طائل من وراءها سوى الإطالة في عمر النظام الذي حاول استعمالها بشتى الوسائل الممكنة والغير ممكنة من أجل بقاءه في السلطة ولو على أنهار من الدماء وجبال من الأشلاء.
عام على التأييد انقضى ليكشف ما خفي عن هذا القائد العسكري الذي ظل لسنوات طويلة شخصية غامضة لا يُعرف عنه شعبياً سوى اسمه، لتُظهر الثورة خِبرته وحنكته العسكرية، وتميزه الكبير بالاتزان وضبط النفس والتزامه الكامل بمنهج السلمية، الذي اختاره الشباب مسلكاً لثورتهم.
عام على التأييد انقضى ليثبت فيه اللواء/ علي محسن الأحمر أنه لازال كما كان الرقم الأصعب في المعادلة السياسية، واللاعب الأساسي في المؤسسة العسكرية والداعم الأكبر للقضايا الوطنية.
عام على التأييد.. وبالتأكيد لا زلنا ننتظر المزيد..
زينب اليوسفي
علي محسن.. عام على التأييد 1878